يقول: يا أبا السادة الذين يحملون جارهم ويتركون الليث غير مفترس، مثل الكلب. والافتراس نعت الليث، ويجوز أن يريد: وتاركي الليث ككلب عاجز عن الصيد.
من كل أبيض وضاحٍ عمامته ... كأنما اشتملت نورًا على قبس
القبس: الشعلة من النار.
يقول: كل واحد من بنيه أبيض وضاح أي واضح الجبهة وتم الكلام هاهنا، ثم استأنف فقال: عمامته: أي عمامة كل واحد منهم، كأنها مشتملة على شعلة من النار، ونصب نورًا على التمييز.
دانٍ بعيدٍ محبٍ مبغض بهجٍ ... أغر حلوٍ ممرٍّ لينٍ شرس
دانٍ: أي قريب. أي هو دانٍ ممن يقصده لا يحتجب عنه، أو من أوليائه، أو من فعل الخير، أو أنه متواضع. بعيدٍ: ممن ينازعه الكرم، أو عن النقص، أو من حيث المحل، أو عن إتيان ما لا يحل. محب: أي يحب البذل، للأولياء وأهل الفضل، مبغض: أي للبخل، أو لأهل النقص واللؤم. بهجٍ: أي فرحٍ عند سؤال السائل إياه وأفضاله عليه أغر: أي لين الجانب لأوليائه، ومن يستعين به. شرس: أي سيىء الخلق مع من لا يطيعه.
ندٍ، أبيٍ، غرٍ، وافٍ، أخٍ، ثقةٍ، ... جعدٍ، سريٍ، نهٍ، ندبٍ، رضىً، ندس
ندٍ: أي سخى. أبيٍّ: أي ممتنع، من فعل الأمور الدنيئة، أو أبى الضيم. غرٍ: أي مولع باقتناء المكارم. يقال: غرى بكذا فهو غر. وافٍ: أي بالعهد. أخٍ: لمصافاته مع الأصدقاء يطلق عليه اسم الأخ ثقة: أي موثوق به وبإخائه ويروى أخي ثقةٍ فيكون على هذا مصدرًا، أي صاحب ثقة جعد: أي ماضٍ في الأمور، خفيف النفس. ويقال: الجعد، إذا أطلق أريد به السخي، وإذا قيد فقيل: جعد اليدين، فهو البخيل. سرى: أي سيد رفيع المنزلة، من السرو وهو الارتفاع نهٍ: أي عاقل، من النهي. ندب: أي خفيف في الأمور، وقيل: سريع الاهتمام. رضىً: أي مرضى. ندس: أي بحاث عن الأمور عارفٌ بها.
لو كان فيض يديه ماء غاديةٍ ... عز القطا في الفيافي موضع اليبس
الغادية: السحابة التي تأتي في الغداة. وموضع اليبس: فاعل عز. والقطا: مفعوله. فيكون عز من قولهم: عزه يعزه إذا غلب.
يقول: لو كان ما يفيض من يديه ماء سحابة لعم الدنيا كلها؛ حتى لا يجد القطا موضعًا يابسًا يلتقط منه الحب، أو ينام فيه وعز اليبس وغلبه، بامتناعه عليه، فهو يطلبه ولا يجده، وتحقيق المعنى: غلب القطا وجود موضع اليبس وهو من باب إضافة المنعوت إلى النعت.
أكارمٌ حسد الأرض السماء بهم ... وقصرت كل مصرٍ عن طرابلس
أنث قصرت وإن كان فعل كل لأنه أراد جماعة الأمصار.
يقول: هؤلاء السادة الذين تقدم ذكرهم وهو قوله: أبا الغطارفة. وقوله: أكارم. جمع أكرم. حسدت السماء الأرض لكونهم عليها وصارت كل بلدة قاصرة عن طرابلس لكونهم فيها دون غيرها. وروى: وقصرت كل مصر بفتح اللام فيكون في تقديره وجهان: أحدهما: أن السماء قصرت البلدان عن هذه البلد، لمكانهم فيه.
والثاني: أنها راجعة إلى قوله: أكارم وهو جمع، وكأنهم قصروا كل مصر عن بلدتهم.
أي الملوك وهم قصدي، أحاذره ... وأي قرنٍ وهم سيفي وهم ترسي؟
قصدي: أي مقصودي.
يقول أي ملك أحاذره وهم مقصودي، وأي منازع لي أخشاه وهم سيفي، أمضيه فيه، وترسي الذي أحرس نفسي بهم، وهو من قول البحتري
وإني امرء أخشى الأعادي ودونه ... جناب ابن عمرو والرماح الذوائد
وقال أيضًا في صباه لصديق يودعه: وهو عبد الرزاق بن أبي الفرج:
أحببت برك إذ أردت رحيلا ... فوجدت أكثر ما وجدت قليلًا
يقول: أحببت أن أبرك بمبرة عند ارتحالي عنك، فوجدت كل جليلٍ قدرت عليه قليلًا عن قدرك، قاصرًا عن محلك، وظاهره أنه مدح على ما ذكرنا. وقيل: إنه هجاء، وأراد: أحببت برك بي وإحسانك إلي فوجدت كثيره قليلًا. والأولى أنه مدح.
وعلمت أنك في المكارم راغبٌ ... صبٌّ إليها بكرةً وأصيلا
يقول: قد علمت أنك راغب في اقتناء المكارم، مشتاق إليها. بكرة وأصيلًا: أي ليلًا ونارًا، فلم أر الامتناع عن الإهداء صوابًا.
فجعلت ما تهدي إلي هديةً ... مني إليك وظرفها التأميلا
1 / 21