ثم يقال لهم هذه الأدلة المتكافئة إما أن توصل كلها إلى العلم حتى تكون جميع المذاهب حقا، وهذا باطل ظاهر الفساد؛ لأنه كيف يكون حقا قول من ثبت الصانع وقول من ينفيه، وإما أن لا يوصل شيء منها إلى العلم، وفي هذا خروجها عن كونها أدلة فضلا عن كونها متكافية.
وأما أن يوصل بعضها إلى العلم دون بعض، وهو المطلوب، لكنا نسمي الذي يوصل إلى العلم دليلا والاخر شبهة.
وأما القائلون بأنه لا طريق إلى العلوم إلا السمع فيقال لهم: كيف تعلمون صحة السمع، ثم ما يريدون بالسمع إن أرتم الكتاب والسنة والإجماع، فكلها تتضمن الحث على النظر والتفكر والمطالبة بالبراهين والذم على ترك ذلك، وإن أردتم بالسمع قول الإمام، فذلك الإمام إما أن يقول بالكتاب والسنة والعقل أم لا إن قال بها فالكلام ما تقدم، وإن لم يقسم بها فليس بإمام.
ثم ما طريق الإمام إلى صحة ما تقوله.
وأما القائلون بأن الإسلام لم يرد إلا بالسيف والنظر بدعة.
فيقال لهم: المعلوم ضرورة من دين النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام أنه كان يدعو إلى دينه بالقرآن المشتمل على أنواع الحجج والبراهين والرد على أهل الكفر والبدع من أهل الكفر والشرك والمنكرين للقيامة والبعث والرسل والآيات المتضمنة للحث على النظر في المخلوقات والذم على ترك ذلك أكثر من أن يحصى.
وقولهم: إن النظر بدعة مدفوع بما يعلمه ضرورة من الدين، ومن أحوال العقلاء والفزع إليه عند التباس الأمور.
شبهة للكل. قالوا: لو أوصل إلى العلم لما عدل أحد عنه.
والجواب: بل يعدل عنه آثارا للدعة أو تجويزا للتقليد ونحو ذلك مما يصرف عن النظر، وكذلك يمكن الانصراف عن العلم الحاصل عنه للشبهة أو لاتباع الأسلاف والتعصب لهم، فتعرض عما يخالفهم، وإن قاد إليه النظر كما هو حال كثير من المخالفين أو لاتباع مذهب يستفيد به رئاسة ويصير به قدوة، وإن كان باطلا.
পৃষ্ঠা ৪২