الثالث: أنه سبحانه حكم عليه بالضلال المبين، وذلك غاية الخسران.
وأيضا فقد علمت أن من هذه الجنايات الزنا، وما في الصحيح(¬1)من أن بني اسرائيل قد انزل الله عليهم في التوراة أن يرجم الزاني، فكثر في إشراف بني اسرائيل، فكانوا إذا أخذوا الشريف تركوه، وإذا أخذوا الضعيف أقاموا عليه الحد، ثم رأوا أن ذلك جور، فنظروا بنظر المصالح حكما يعدلون به بين الشريف والمشروف والقوي والضعيف، واصطلحوا على أن يجعلوا ذلك التحميم والجلد، فذمهم الله تعالى، إذ عدلوا إلى الاجتهاد مع وجود النص، بقوله سبحانه:"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك، وما أولئك بالمومنين"(¬2)مع أن اجتهاد بني اسرائيل في هذه النازلة، أقرب إلى الصحة ممن يرى أن يغرم في مسائل الحدود المال من ثلاثة أوجه:
الأول: أن حكم المصلحة الذي(¬3)اعتبروه، شهد الشرع بجنسه من العقوبات البدنية، وبنوعه الذي هو الجلد. وحكم المصلحة التي اعتبر هذا الذي يريد أن يجعل المسألة اجتهادية، لم يشهد الشرع بها في حد من الحدود.
الثاني: أن الردع بالجلد والتحميم أبلغ من الردع بأخذ المال، لأن العلق يفدي بدنه وعرضه بماله، لا ماله ببدنه. ولذلك قيل:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... ... لابارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال أن أردى فأجمعه ... ... وليس للعرض أن أردى محتال
الثالث: أن اجتهاد بني اسرائيل أفضى بهم إلى نوع من الردع لم ينهوا عنه بالتنصيص، وهو الجلد والتحميم، وأما الذي يريد أن يجتهد ليشرع أخذ المال في الجنايات، فيفضي به الاجتهاد إلى ما علم تحريمه بالضرورة من الشرائع، وهو أكل المال بالباطل.
পৃষ্ঠা ১০১