وأعلم أن حجة الله عز وجل قائمة بالتوحيد عن الله سبحانه قبل مجيء الأنبياء وبعد مجيئهم، لأن أنبياء الله صلوات الله عليهم إنما بلغوا التوحيد عن الله على ما يجوز من الكلام بين الناس، وقد ذكر الله تبارك يدا وسمعا، وبصرا وعلما، وعينا ووجها، ونفسا وجنبا، وقبضه وبسطة، ومجيئا واستواء على عرش، واتيانا في ظلل من الغمام وغير ذلك مما يجوز في اللغة العربية التي غلط من أهل التشبيه المقصرين في توحيد الله عز وجل، فأنظر أنت ذلك إلى مجاز الكلام وكيف مخرجه في اللغة، فاحمل عليه دون التشبيه الذي لا يليق بالآدميين، تصب رشدك إن شاء الله، ولو لا الاجتزاء بما قد ذكره الهادي إلى الحق صلوات الله عليه في هذا المعنى في كتاب المسترشد لشرحناه وبيناه، ولكن لم يترك الهادي صلوات الله عليه لأحد كلام، مع ما بين في كتاب المسترشد ولله الحمد والمنة.
73- وسألت عن قول الله عز وجل: { إنك لا تهدي من أحببت ولكن
الله يهدي من يشاء } ؟
قال أحمد بن يحيى صلوات الله عليه: إن من زعم أن الله تبارك وتعالى دعا العباد إلى أمر قد حلا بنيهم وبينه ونهاهم عما قضاه، وقدر عليهم أن يعملوا به وأراد بذلك المجبر السائل جهله، وأن يزين لنفسه خطأه ويكابر الحق الذي جاء من عند الله عز وجل صراحا بدعواه في قول الله جل ثناؤه: { وإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } . كأنه يرى عند نفسه إن الله تقدس وتعالى قال لنبيه محمد صلوات الله عليه: أن دعاك للعباد وما أرسلناك من البرهان والنور والهدى والبينات والآيات الواضحات لا ينفع الناس شيئا ولكن أنا أقسر عليه من شئت منهم، وليس ذلك كما تأولوه ولا كذلك فعل الله عز وجل، وإنما كان ذلك أن رجلا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكان ومنزلة، فحرص عليه أن يسلم فأخبر الله سبحانه نبيه صلوات الله عليه وعلى آله أن حرصك لا يغني أذن أيرى العبد أن يسلم، فإن أحدا لا يستطيع أن يغلب أحدا على إرادته وهواه إلا الله القوي القادر الذي يملك تصريف القلوب في الهوى، وبيده النواصي والأقدام، وقال: { ولو شاء ربك لآمن من الأرض كلهم جميعا } . أي قسر أو جبرا، وكذلك قوله: { ولو شاء الله لجعلهم على الهدى } . وليس من صفته جل ثناؤه أن يجبر أحدا من خلقه على طاعة ولا معصية حتى يختار كل منهم ما أراد م ذلك لنفسه، وبذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
পৃষ্ঠা ৪৫