قال أحمد بن يحيى عليه السلام: لعمرو الله أن المصيبة في الدين لأعظم المصائب، ولكن الله عز وجل لم يعن بذلك الضلالة ولا الهدى، فقوله: { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم } . فلو كانت هذه الآية في الأعمال لم ينبغي للعبد إذا أطاع الله عز وجل وأحسن العمل أن يفرح ولا إذا عصا أن يحزن، ولكان ذلك منه خطأ وعصيان لله أن يفرح بما أوتي من خير في دينه، وأن يحزن على ما ضيع وفاته من دينه، لأن الله في قولهم قد نهى عن ذلك، وأذن لا ينتقض قوله، واختلف كتابه وقد قال: { ولو كان من عند غر الله لوجدوا فهي اختلافا كثيرا } . ولخالفت هذه الآية التي ذكرتم هذه الآية التي أنا ذاكرها، حيث يقول تبارك وتعالى: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } . وقال عز وجل: { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يعملون } . وليس وجه هذه الآية التي ذكرت على ما وضعوه عليه هم، إنما عنى الله عز وجل في هذه الآية المصيبات التي يصيب بها عباده في الأنفس والأولاد والأموال والثمرات، وما سخر لهم من الأشياء التي سخرها لهم به أعمالهم قبل نزول المصيبة لهم إن سوف يبتليهم وعلمهم كيف يقولون عند المصيبة إذا نزلت بهم، وما لهم فيها من الأجر إذا صبروا، وقالوا القول الذي علمهم وقال: { ولنبلونكم بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابته مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربك ورحمة وأولئك هم المهتدون } . يقول سبحانه إنما علمناكم ما تقولون وبينا لكم في ذلك من الأجر والثواب لكيلا تأسوا عند البلاء على ما فاتكم ولا عند المصيبة تجزعوا تسليما لأمر الله تبارك وتعالى، ولو كان الأمر على ما توهموا ما كان ينبغي لمن صلى وصام وحج وجاهد وفعل الخيرات يفرح، ولا لمن زنا وسرق وشرب الخمر وقتل النفس الحرام وعصى الله عز وجل أن يحزن على معصيته، ولكن الناس تركوا لاحق وأهله واتبعوا أهوائهم، وقلدوا أمر دينهم من أضلهم وأغواهم، وقد أمروا فأعرضوا وزجروا فلم ينتهوا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وأما الكتاب الذي ذكرت هاهنا فهو العلم، لأن الله عز وجل لا يحتاج إلى الكتاب.
পৃষ্ঠা ৩৭