فأما رجل حلت به مصيبة فاجعة محرقة، شأنها عظيم في الملكوت، فيذهب فيتخذ عرسًا، ويجتمع في بيته لغط وضوضاء، فهذا سمج، وقد جاوز القصد، وتكلف جهلا. فأن أراد به الله فهو جهل عندنا، وإن أراد به التصنع فممقوت.
وفعل الأقوياء أن يضع كل شيء موضعه: السرور في موضعه، الحزن في موضعه. ويتقرب إلى الله بذلك الحزن، كما يتقرب بالسرور؛ لأن ذلك كله لله وبالله. ولو أن رجلا شكر في موضع الصبر لكان لشكره موضع هناك، ولو قال عند الذنب: (الحمد لله) لكان لقوله هناك موضع. ولكن الحمد في موضع النعمة، والاستغفار في موضع الذنب، والشكر في موضع النعمة، والصبر في موضع الشدة، فإذا حولته وجدت لكل منه متسعا في الأخر؛ ولكن هذا نفص في التدبير، ونكس للأمور. وروى أن عمر بن الخطاب مر بعثمان رضى الله عنهما وهو قاعد، فبدأه عثمان بالسلام، فقال عمر رضى الله عنه: يا أبا محمد، ولم تنكس السنة؟! ففي هذا القدر عتب عليه عمر رضى الله عنه؛ السلام من المار على الجالس؛ لأنه هو الوالج عليه. والسلام أمان من العباد، فإنما ينبغى الأمان من الوارد. فإذا أزلته عن موضعه انتقض. فوجدنا فعل الرسول ﷺ، وهو سيد ولد آدم ﵇، عند المصائب، إظهار تعظيم أمر وإجلاله، ويبكى ويحزن. ولما توفى الله ابنه
1 / 73