وسمج هذا في رأى العين أن يكون لملك الموت ولرسل رب العالمين أثر في بيت، وسلطان يزعزع الأرواح من النفوس، وتصير النفوس جيفة ملقاة تنتقل إلى بيت البلى؛ ثم يكون هنالك شبه العزف، والقصف، واللغط، والضوضاء، والفرح، وقلة المبالاة، يزعمون أن هذا يوم شكر؛ إذ أنه خرج من الدنيا، فتخلص من آفاتها، وختم له بالإسلام.
فهذا كله تحسن بالقول، وتفارح بالجهد، والنفس ممتلئة من الوجد. وإقامة الصبر في ظاهر الأمر يسير في جنب باطنه؛ فهو يظهر السرور وفي النفس من وجع الفراق جزع وتلهف. فهذا خراب الباطن. وإنما الصبر الوافر أن تكون بقلبك راضيا عن الله، ونفسك طيبة مع الله فيما حكم، قد حبب إليك حبه حكمه، وطابت نفسك بالمصيبة.
فهذا الصبر الوافر؛ لأن لحبه حلاوة ولفراق هذا النفس التى حل بها الموت مرارة. فالمرارة في النفس، والحلاوة في القلب. فكلما ثارت حرقة من موضع الرأفة عملت في شأن الدمعة حتى يجرى الماء. فكلما ثارت مرارة من النفس من أجل الفراق تلقته حلاوة محبة الله في الصبر فأبطلته؛ لأنهما اجتمعا في الصدر، فتلاشت المرارة، وثبتت الحلاوة؛ لغلبه المحبة وسلطانهما. فإذا لم يكن هذا فما يغنى هذا السرور الظاهر.
واتخاذ العرس أخاف أن يصير هذا تصنعا ورياء؛ لأنه يكفيه حفظ الجوارح أن يعصى الله بجارحة من أجل تلك المصيبة؛ فهذا صبر الظاهر.
وإن فر من التقصير والاستكانة، فتبسم، ولبس من صالح ثيابه، كما فعل مطرف في وفاة أبيه؛ فهذا أيضا حسن، وهو دون الأول.
1 / 72