فهؤلاء الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم، مجمعون ومتفقون على إصلاح ما ضعف واختل وتشعث منها بحسب الضرورة أو الحاجة الماسة.
إذا وهى وتشعث -كما في ((القاموس))- بمعنى: تحرق وانشق واسترخى رباطه.
وابن الزبير رضي الله عنهما ومن وافقه: موافقوهم على ذلك، وإنما وقع الخلاف في القدر الزائد على الحاجة، فالأكثرون نظروا إلى جانب الاحترام المطلق للكعبة، فلم يوافقوا على الزائد على الحاجة، وهو رضى الله عنه ومن وافقه نظروا إلى ما يليق بإجلال البيت وتعظيمه، وإيقاع مزيد هيبته في القلوب، فلم يقنعوا بالاقتصار على قدر الحاجة، وأبرز لهم ذلك القياس المعنوي بقوله: ((لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح، ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها))، فلم يعترضوا هذا الدليل الذي أبرزه لهم؛ إما لوضوحه لهم، وإما لأن المجتهد لا ينكر على مجتهد، فلذلك مكنوه مما أراد ولم يعترضوه.
فتأمل ذلك أدنى تأمل، يتضح لك صحة ما قلناه، من أنهم كلهم متفقون على إصلاح ما تحرق وانشق واسترخى، لا خلاف بينهم في ذلك، وهم الحجة على من بعدهم في ذلك وغيره.
وإنما الخلاف بينهم في إصلاح زائد على الحاجة، ولائق بكمال البيت وعظيم إجلاله وحرمته، فابن الزبير وموافقوه يرون ذلك، والأكثرون لا يرونه، فتأمل ذلك؛ فإنه مما ينبغي أن يحفظ ويستفاد.
পৃষ্ঠা ৪৩