وهنا: لو كان سكوتهم لعجزهم لبينوا ذلك في كتبهم، فتأمل ذلك حق التأمل؛ لتكون على جادة الصواب، وتظفر بتحقيقه؛ فإنه مما يستفاد ويستطاب، وفقنا الله لتحريه على الدوام، وجعلنا ممن قام بشعائر هذا البيت الحرام، آمين.
الرابع
مما هو صريح فيما قدمته من جواز الإصلاحات التي يحتاج إليها في الكعبة، ما حكاه أئمتنا وغيرهم في خبر بناء ابن الزبير رضي الله عنهما:
وذلك لأنه لما أراد أن يهدمها للحريق الذي وقع فيها من بعض جماعته، أو ممن حاصره، شاور من حضره من الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم -منهم ابن عباس رضي الله عنهما- في هدمها، فهابوا هدمها وقالوا: نرى أن نصلح ما وهى منها ولا يهدم، فقال: لو أن بيت أحدكم احترق، لم يرض له إلا بأكمل إصلاح، ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها، فهدمها حتى وصل إلى قواعد إبراهيم صلى الله على نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلم.
وفي رواية: أنه جمع وجوه الناس وأشرافهم، فاستشارهم في هدمها، فأشار عليه القليل من الناس وأبى الكثير، وكان أشدهم إباء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال: دعها على ما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبنى فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارقعها، فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بناء بيت أبيه وأمه، فكيف أرقع بيت الله؟!
واستقر رأيه على هدمها، وكان يحب [أن يكون] هو الذي يردها على قواعد سيدنا إبراهيم؛ لما بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.
পৃষ্ঠা ৪২