[قول بعض من جمع بين الفلسفة والإسلام في العقل والنفس
وإبطاله]
والقول الثالث: قول بعض من جمع بين الفلسفة والإسلام: إن العقل هو أول مخلوق خلقه الله سبحانه قبل الزمان والمكان، واحتجوا على ذلك بخبر رووه، وهو أن الله سبحانه لما خلق ذلك العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر..إلى آخر الخبر.
وهذا الخبر هو من أقرب وأوضح ما يدل على بطلان قولهم، وذلك لأنه لا يخلو: إما أن يكون محمولا على ظاهره أو متأولا.
فإن كان محمولا على ظاهره، وجب القطع على كونه مكذوبا على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لأجل تناقضه وتضمنه لمعنى التشبيه، وللجهل بالفرق بين صفة العقل وصفة العاقل.
فأما تناقضه؛ فلأن الإدبار بعد الإقبال، والإقبال قبل الإدبار لا يعقل إلا إذا كان بينهما وقت يعرف به التمييز بينهما، وكذلك الإقبال إلى المقبل إليه والإدبار عنه لا يعقل إلا إذا كان بينهما مسافة، وكان كل واحد منهما في مكان غير مكان الثاني.
فإن قالوا: هو معقول، بطل قولهم بنفي الزمان والمكان، وإن قالوا: هو غير معقول فإثباتهم له عبث.
وأما كونه متضمنا لمعنى التشبيه، فلأن المفهوم من فحوى الأمر بالإقبال والإدبار -هو كون الآمر والمأمور متقابلين، وتقابلهما لا يعقل إلا إذا كان كل واحد منهما في جهة مقابلة لجهة الثاني حتى يقع بصره على ما أقبل به إليه دون ما أدبر به عنه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
পৃষ্ঠা ২৩