ووصفهم للعقل الكلي بأنه أزلي لأجل أزلية علته، وأنه لا يجوز أن يتوسط العدم بين العلة ومعلولها، ونقضهم لذلك بوصفهم له بالإنفعال منها، والمنفعل لا يعقل كونه منفعلا إلا إذا كان بعد أن لم يكن، لعدم الفرق بين الفعل والإنفعال في كون كل واحد منهما محدثا، ووصفهم للعشرة العقول بالتقدم والتأخر، ونقضهم لذلك بقولهم إنها موجودة قبل الزمان والمكان، إذ لا يعقل الفرق بين المتقدم والمتأخر من الأشياء المنفعلة إلا بالوقت والمكان؛ إذ لولا ذلك لما علم الفرق بين كون الثاني ثانيا والثالث ثالثا، ولا بين رتبتيهما ولا انفعالهما، وكل هذه الأدلة مما لا يمكن كل عاقل إنكارها إلا بالمكابرة الدالة على العجز، ولذلك جمع كثير من الغلاة بين اسم الإسلام ومعنى الفلسفة ليتوصلوا بذلك إلى إبطال محكم التنزيل، بما ادعوا من علم التأويل، الذي زعموا أنه علم مكنون مكتوم، فمنهم من لا يعلمه إلا من أخذ عليه العهد والميثاق، ومنهم من لا يعلمه إلا من قد قبل منه ما يلقي إليه من المقدمات التي إذا نظر فيها المتعلم أداه النظر فيها إلى ذلك العلم المكتوم، وما أشبه ذلك من الحيل والمكائد التي لا تجوز إلا على من بهر عقله زخرف أقوالهم، وقصر به الشك عن بلوغ درجة اليقين.
পৃষ্ঠা ২২