ومن ذلك ما ورد في اختصاص الله تعالى لأنبيائه بالنبوة، وأنها فعله عز وجل فقال سبحانه: ?أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين?[الأنعام:89]، وقال جل وعلا : ?ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب?[الحديد:26]، وأمثال ذلك مما يدل على أنه تعالى اختصهم بالنبوة ولم يكلها إلى عباده، كما قال تعالى: ?وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته?[الأنعام:124]، وقال عز من قائل: ?وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون?[القصص:68]، وقال جل وعلا: ?قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم* يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم?[آل عمران:73،74] إلى غير ذلك من سائر الآيات التي قدمنا ذكر عدها فمن أحب الاطلاع على جملتها فلينظر في رسالتنا الموسومة (بالفارقة ) يجده هنالك إن شاء الله تعالى، فإذا قد تقرر أنه لم يبق فرقة من فرق الكفر إلا وقد زادوا عليها فيما به كفرت، ثم اختصوا بكفر جديد كثير واسع فهم كما قدمنا أكفر الكفرة، وأخبث الفجرة، وإنكارهم لمذاهبهم تطهير للكفر بالكذب، فهم بمنزلة من يغسل الغائط بالبول؛ فإنه لا يطهر أبدا؛ لأنه رام تطهير النجس بالنجس، فكذبوا لأنهم راموا نفي الكفر عن أنفسهم فازدادوا رجسا إلى رجسهم، فلو أنهم قالوا: هذا كان اعتقادنا وتبنا منه لكان بمنزلة من غسل النجس بالماء؛ لأن التوبة ترحض الذنوب، ونحن نعلم مذهبهم منهم ضرورة، ويعلمه كافة من خالطهم من المسلمين، وإذا قد تقررت هذه الجملة فلنرجع إلى ما كنا بصدده من ذكر الفرقة المرتدة وأحكام أهل الردة هذه (المصانع) هي قرارة كفرهم، وعوشة ردتهم، واستمرت بذلك الأعصار، ومضت عليه الدهور، وهرم فيه الأطفال، وتقرمت القرون من يوم نجوم كفرهم إلى الوقت الذي جرى فيه ظهور نفاقهم وبايعونا على التوبة والبراءة من الفرقة المرتدة؛ إلا من نفر منهم ممن أصر، وأقاموا على ذلك مدة تبدو منهم أمارات النفاق، ودلائل الكفر، ونحن نحملهم على ظاهر غير سليم إلى أن طال عليهم الأمد وقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون؛ فأظهروا الكفر ومنعوا الزكاة التي منعها بنص القرآن الكريم شرك قال تعالى: ?وويل للمشركين، الذين لا يؤتون الزكاة?[فصلت:6، 7] ولا كفر أقبح من الشرك بالله، وظاهروا الشقي المشرقي وأعوانه من الفرقة المرتدة الملعونة المسماة بالمطرفية، وسلموا الأمر له في نفوسهم وبلادهم من طرق جمة، ووجوه كثيرة -كما قدمنا- فحاكمناهم إلى الله تعالى فقضى لنا عليهم، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية امتثالا لحكم رب العالمين، واقتداء بوصي النبي الأمين والصحابة الراشدين، ولابدنا نذكر من ذلك طرفا يدل على ما وراءه ليكون تذكرة للمستبصرين، وبرهانا للمقصرين، وعلى الله نتوكل وإياه أستعين.
পৃষ্ঠা ৪৬