[ عودة إلى الردة ]
اعلم أيدك الله: أن العلامة كانت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام أو الردة الصدقة، فمن سلمها عد من المسلمين، ومن منعها لم يختلف الصحابة في ردته، ولا يسأل عن حاله بعد ذلك، وقد شهدت بذلك أشعارهم وآثارهم لمن كان يعرفها ممن يعتني بأمور الدين، ويفرق بين المسلمين والكافرين، وذلك أنه لما قبض الرسول اجتمعت الوفود لعاشرة من موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة باذلين القيام بشرائط الإسلام وأنواعه، مستعفين من الزكاة، ونزلوا على كبار الصحابة متحرمين بهم ومستشفعين في نجاز ما سألوه، فاجتمع جماعة من الصحابة واشتوروا في ذات بينهم على قبول ما جاءوا به، وجاءوا إلى أبي بكر فقالوا له ما دار بينهم، وقالوا له: رأينا أن نساعدهم إلى ذلك حتى تبلغ ما تريد. فأبى ذلك أبو بكر أشد الإباء وقال -ما هو معلوم من قوله-: والله لو منعوني عناقا أو قال: عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه. وأجل لهم يوما وليلة فلما خاض الناس في القول أمر بالنداء بالصلاة جامعة، فلما قاموا قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله تعالى توكل لهذا الأمر فهو ناصر من لزمه، وخاذل من تركه، وإنه بلغني أن وفود العرب يعرضون الصلاة، ويأبون الزكاة، وإني لا أفرق ما جمع الله بينه، ألا وإنهم لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قبلت منهم، ألا وإن الذمة بريئة من رجل أجده من هذه الوفود بعد يومه وليلته بالمدينة -فوثبوا يتخطون رقاب الناس طائرين إلى عشائرهم، ما بقي منهم في المدينة واحد، وكانت الوفود من سليم، وأسد، وغطفان، وهوازن، وتميم، ومن صافهم.
পৃষ্ঠা ৪৭