وإن قلت: إنه حدث من العدم فهذا محال بين الفساد، لأن العدم لا يوصف بالإيجاد، ولأن (1) العدم لا شيء، والفاعل لا يكون إلا موجودا مدبرا، حكيما مقدرا، لأن قولك: لا شيء (2) يحدث شيئا نفي للمحدث والمحدث، لأن لا شيء عدم، والشيء وجود، والعدم ليس بعامد ولا معمود، ولا شيء سوى اللفظ مقصود، وإنما قولنا: عدم، نريد النفي بهذا الاسم، وإذا كان هذا المحدث عدما قبل حدوثه، فالعدم لا شيء، ولا شيء لا يكون شيئا بغير شيء، لأنك إذا قلت: معدوم يقوم (3) بمعدوم، نفيت الجميع، إذ كله باطل محال، وعبث من صاحب المقال، وإلا فما الذي (4) جعل وجود المعدوم أولى من عدمه؟! وما جعل حدوثه أولى من تركه؟!
فإن قلت: إن ذلك من أجل أنه متروك فالمتروك متروك.
وإن قلت: من غير الترك، فذلك الفاعل، الحكيم الجاعل، المتفضل بالتكوين، الخالق بغير معين، الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، الواحد الأحد، المفرد (5) الصمد، الذي لا إله سواه، ولا أمد حواه، ولا عين تراه، ولا له مثل (6) ولا نظير، ولا وزير ولا نصير، ولا شريك ولا مشير، إلاهنا وسيدنا، وحبيبنا ومعتمدنا، وربنا وخالقنا، ومنشئنا ورازقنا، من لا تحصى آياته، ولا تنقطع دلالته، ولا تعد نعمه، ولا يتناقض علمه، ولا يستجهل حلمه، ولا يدركه نظر، ولا يحويه قطر، ولا يكتنهه ضمير، ولا يحده مصير، ولا يعجزه تدبير.
ودليل آخر
لو حدث لعلة لم تخل تلك العلة من أحد وجهين:
إما أن تكون جسما.
وإما أن تكون عرضا.
فإن كانت جسما فالجسم محدث ضعيف عاجز، وإن كانت العلة (7) عرضا فالعرض أعجز من الجسم، لأنه لا يوجد إلا بوجود الجسم، ولا يقوم إلا بقوام الجرم، وما لم ينفك من الجسم ولم يكن قبله، فهو بغير شك في الحدوث مثله، وذلك أن الجسم لا يخلو من أحد وجهين:
পৃষ্ঠা ১৩৩