والدليل على أن الحركة والسكون معنيان، وشيئان غير الأجسام متغايران، أنا نجد الحركة تكثر من الشيء الواحد، فلا تكثر لكثرها، وتقل تارة فلا تقل لقلتها، وتزول تارة فلا تزول لزوالها، ولا تبطل لبطلانها، مثل حركة النجم التي لا تحصى لكثرتها، والنجم واحد محدود، وحركته معدوم ما مضى منها، وهو بعينه باق موجود، ونجد السكون كذلك يكثر أيضا حتى لا يحصى، والساكن معروف بحدوده وأقطاره، موجود في محله وقراره، مثل الحجر التي لا تحصى ساعات سكونها، فكم من ساعة لا تحصى قد سكنت!! وكم من يوم وليلة قد لبثت!! فتلك الساعات قد عدمت، والحجر موجودة ما برحت، والحركة والسكون على الجملة دهور وأزمان، وعلى التصنيف صنوف وأفنان، وكل ذلك دليل على حدث الأجسام، وبيان على فساد دعاوى الدهرية الطغام، وأشباه عجم الأنعام، وأهل التكمه في الأإلام، وسندل إن شاء الله تعالى على فساد قولهم، ونوضح من حدث الدهر ما عموا عنه بجهلهم.
فإن سأل سائل منهم فقال: ما الدليل على حدث ما مضى من الدهور، والأيام والليالي والشهور؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدوث ما مضى من الدهر وأزمانه، أنه لم يحدث ساعة إلا بعد حدوث ما قبلها وبطلانه.
فإن قال: وما أنكرت من أن يكون ما مضى من الساعات ساعة قبل ساعة إلى ما لا نهاية له؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك، لأن ما مضى من الساعات لا يخلو من أحد وجهين:
إما أن يكون عدم وبطل بعد حدوثه.
وإما أن يكون الآن موجودا كله.
فإن قلت: إن ما مضى من الحركة والسكون موجود فهذا محال، لأن ما مضى من الساعات التي هي السكون والحركات فقد عدم كله، بعد حدوث كل ساعة منه، وإذا عدم كله بعد حدوثه فهو محدث، لأن الساعات التي مضت، والأزمان التي بطلت، على حالين:
حال وجدت فيه بعد عدمها أوجب حدوثها، وحال عدمت فيه بعد وجودها.
পৃষ্ঠা ১০৩