فإذا قال ذلك، قيل له: ويحك ما أجهلك!! وأعظم كفرك وأغفلك!! تقول: إن الحكمة ما حسن من الأفعال، وبعد من الجهل والضلال، ثم تزعم أن ليس فيما ذكرنا حكمة من أعاجيب الصنع الجليل، وما بين الله من الدليل، وأقام على ذلك من شواهد العقول، لأن الحكمة لا تهيأ إلا بالحلم، ولا تتم إلا بالعلم من ذي الجلال والإكرام.
ودليل آخر
لا يخلو صانع هذه الحكمة من أن يكون حيا قديما. وإما أن يكون حيوانا، وإما أن يكون مواتا، فإن كان حيوانا فهو كسائر الحيوانات، في العجز عن دفع الآفات، ونوازل المحن المحدثات، وسلب ما يحب من الحياة، وبيان الصنع فيه والدلالات، وإن كان مواتا فهو كسائر الجمادات، من الترب والحجارة وغيرهما من الموات، والأجسام الجامدة المغفلات، ويستحيل أن يكون ذلك وما جانسه من المدبرات، خالقا لشيء من الحيوانات، وإن كان حيا مدبرا قديما، فقد صح ذلك، لأنه لو كان ميتا لما كان حكيما، ولما كان قديرا ولا عليما.
ودليل آخر
أنا قد أحطنا بجميع الأشياء علما، وأدركناها عيانا وفهما، فلم نجدها إلا على حالين محدثين، ومدبرين بمشيئة الله مصنوعين، وهما الحركة والسكون اللذان لا ينفك منهما شيء موجود، وإذا صح حدثهما، وصح أن جميع الأشياء لم تنفك منهما ولم تكن قبلهما، فهي في الحدث مثلهما، وسيبلها سبيلهما.
والدليل على أن جميع الأشياء لا تنفك منهما، ولا توجد قبلهما، أنها لا توجد إلا زائلة متحركة، أو مقيمة ساكنة، فإن زالت فزوالها حركة، وإن أقامت ولبثت، فالسكون هو لبث وإقامة.
পৃষ্ঠা ১০২