ألا ترى إلى ما بث الله من الخلق، وما بسط لهم بعد خلقهم من الرزق، الذي لو لا هو لهلكوا ودمروا، ولما تناسلوا ولا كثروا، ولما ثم بقاء ولا صبروا، فلعلمه بفاقتهم رزقهم، ولإنفاذ الحكمة خلقهم، ولحسن التدبير فطرهم، وبالطاعة والرشد أمرهم، وعن الفواحش زجرهم، وللكفر حذرهم، وبالثواب وعدهم، فسبحان من لا تحصى آياته، ولا تنقطع أبدا دلالاته، فلو لم يكن لنا من الآيات، إلا ما ذكرنا من صنع الله في الحيوانات، لكان ذلك عليه دليلا، ولكان علما عظيما جليلا، من النطف الحقيرة، خلائقا مبثوثة كثيرة، لا يحصيها إلا خالقها، ومبتدعها ورازقها، وما جعل من ذكورها وإناثها، لتكثير نسلها وإحداثها، ثم جعل في الذكور من الشهوة للإناث، ما جعله سببا للجعل والإحداث، وجعل النسل في أصلاب الذكور، بتمام الحكمة والتدبير، ثم جعل لذلك النسل، مسالكا إلى أوصال الإناث، فاتصل بإذن موصله وانفصل من الأصلاب، بمشيئة الله رب الأرباب، فأحسن الصور في الأرحام بإكمالها، بعد أخذها من الأصلاب وإنزالها، ثم آخرجها من بطون الأمهات، وركبها للأغذية واللذات، فجعل لتلك النسول قبل أخراجها أغذية، لعلمه بفاقها، وجعل لتلك الأغذية من ألبان أمهاتها المركبة لهم في أجسادها، لعلمه بضعف الأطفال عن غيرها، مما يغتدي به بعد كبرها، فجعل غذاء الصغير بلطفه، غير غذاء الكبير لما علم من طفولته وضعفه، ثم ألهم هذه النسول رضع أغذيتها، ليتم بذلك ما أراد من حياتها.
পৃষ্ঠা ৯৩