فياعجبا لأطفال البهائم العجم التي لا تعي ولا تعقل كبارا!! فكيف إلا صغارا!! كيف اهتدت لأماكن أغذيتها؟! أجل إن ذلك لمن غيرها لضعفها وصغرها، حتى كأن قد علمت ذلك علما يقينا أو حيرت عليه، أو قيدت قودا إليه، ولما علم الله عز وجل ما ركب من خلقه وجبل، وما نزل من الأرزاق وجعل، علم أن تلك الأغذية لا تتم إلا بالوصول إلى الأجساد، ومباشرة البطون والأكباد، فجعل سبحانه لذلك مسلكا فأوصله، وركبه لعلمه بفاقتهم وجعله، ثم بسط الرزق ونزله، فكم مخلوق عجيب الخلقة خلقه؟! ومرزوق لا يحمل رزقه؟!
فالحمد لله الذي تفضل علينا بنشأته وخلقه، وبسط لنا الكفاية من رزقه، ثم علم عز وجل بما خلق وفطر وجعل من الحكمة، ودبر وعلم بفاقة المخلوق إلى مخارج الأغذية، التي لو لا مخارجها ما لبث المخلوق حيا، ولا بقي من الدهر شيا، إلا وقتا يسيرا، ثم تصير نعمته عليه تهلكة وتدميرا، فجعل سبحانه لما علم بمولجه مخارجا، لفاقة المخلوق إلى مخارجه، ثم جعل للمتعبدين عقولا، لتكون لهم عليه دليلا، فسبحان من دلنا إلى معرفته!! وجعل لنا العقول برحمته!! ثم جعل لنا حواسا خمسا، عيانا وسمعا وذوقا وشما ولمسا، فجعل العيان لدرك المهيئآت، والأسماع لدرك الأصوات، والذوق لدرك المطعومات، والشم للروائح المختلفات، من الخبائث والطيبات، وجعل اللمس أعراض المجسمات، من الحر والبرد واللين والخشونات، وجعل الأجسام وما فيها من المفاصل للحركات، ودليلا على حكمة فاطر السماوات، وجعل العقول لتمييز الأمور، ومعرفة الخيرات والسرور.
পৃষ্ঠা ৯৪