{كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42]. فكتاب الله إمام لكل مهتد من خلق الله رشيد، أعزه الله عن الوهن والتداحض فلا يتصلان به أبدا، ومنعه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ حفه بالنور والهدى، فنوره وهداه مقيمان أبدا معه، مضيئان مشرقان لمن قبله عن الله وسمعه، ساطع فيه نور شمسهما، بين هداه ونوره لملتمسهما، لا يميلان بمتبع لهما عن قصده، ولا يمنعنان من طلب رشدهما عن رشده، بل يدلانه على المراشد المرشدة، ويقصدان به الأمور المعدة، التي لا يشقى أبدا معها، ولا يضل أبدا من اتبعها، فرحم الله امرأ نظر فيه فرأى سعادته ورشده وهداه، فجانب شقوته وغيه ورداه، قبل أن يقول في يوم القيامة مع القائلين: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضآلين} [المؤمنون: 106]. فضلال من ترك كتاب الله لا يغبى، إلا على من لم يهبه الله عقلا ولبا، كتاب نزله الله الرحيم الأعلى، برحمته من فوق السماوات العلى، فأقر في أرضه قراره، وبث في عباده أنواره، فنوره ظاهر لا يخفى، وضياءه زاهر لا يطفا، مشرق نوره بالهدى يتلألأ، كما قال سبحانه تبارك وتعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32]. فأبى الله سبحانه إلا تمامه فتم، وخاصم به من هدي لرشده من خلقه فخصم، برهانه منير مضيء، وتبيانه مسفر جلي، فهو من إسفاره وتبيانه، وهداه ونوره وبرهانه، كما قال الله سبحانه: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا، فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} [النساء: 174 175].
পৃষ্ঠা ১৯