مديح القرآن الكبير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من علينا بوحي كتابه وتنزيله، وبما ولي تبارك وتعالى من أحكامه وتفصيله، بالإعراب والتبيين، وبما جعل فيه من دلائل اليقين، على وحدانيته ودينه، وبما نور في ذلك من تبيينه، وقوم سبحانه من صراطه وسبيله، بما شرع فيه من تحريمه وتحليله، وأقام به على كل صالحة مرشدة من دليله، وفصل سبحانه من كلامه فيه وقيله، ومن أصدق من الله قيلا، وأحكم لكل شيء تفصيلا، فنزله بنور هداه تنزيلا، فلم يغب في ذلك كله عنه من الهدى غائب، ولم يخب من طلاب الهدىبه ولا فيه قط خائب، فيعدم من الهدى مراد مطلوب، ولا يحتجب عن الطالب له من هداه محجوب، أنزله الله بتفصيله إنزالا، فقال تبارك وتعالى، فيما نزل منه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} [الأنعام: 114]. فجعله منه بفضله ورحمته وحيا منزلا، وقال سبحانه فيه: {ولقد جئناكم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} [الأعراف: 52]. وقال سبحانه في تنزيله، وما من به فيه من تفصيله: {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون، بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} [فصلت: 1 4]. فجعله سبحانه لعباده بشيرا ونذيرا، ووضعه للمؤمنين برحمته سراجا منيرا.
পৃষ্ঠা ১
[أهل الذكر]
فمن أراد سر الأسرار، وعلانية مكتوم الأخبار، التي أظهرها الله لصفوته من الأبرار، وخص بعلمها من انتجبه لها من الأخيار، فحباهم بفهمها واستخراجها، ودل منهم بها من استدل على منهاجها، فكشف لهم منها عن أنوار النور، وبين لهم منها ما التبس على غيرهم من الأمور، فظهر لمن هداه الله بهم منها مكتومها، وأسفر بعون الله لمن طلب علمها معلومها، فسكنت إليها الأنفس، ونطق بها البكم الخرس، فقالوا: بها ناطقين، ونطقوا بها صادقين، وحيوا بروحها بمن الله من كل هلكة وموت، وتحركوا بحياتها من بعد خمود وخفوت، ومشوا بنورها مبصرين في الناس، وخرجوا بضيائها من الظلمات والالتباس، كما قال سبحانه: {أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام: 112]. وفيما بين الله سبحانه من آياته، لمن آمن به، ما يقول تبارك وتعالى: { قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} [الحديد: 17].
وفي أن وحي الله حياة من أمر الله وروح، ونور وهدى ورشد ساطع يلوح، ما يقول سبحانه في وحيه، وفيما نزل منه على نبيه: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألآ إلى الله تصير الأمور} [الشورى: 51 53]. فجعله روحا محييا لمن قبله، ونورا مضيئا لمن تأمله، فنحمد الله على ما جعل فيه لأهله من الحياة، ووهب لهم به من الفوز والنجاة.
পৃষ্ঠা ২
وقد ظن من ليس ببر ولا تقي، من كل ضليل تائه شقي، بجهله وضلاله واحتياره، وقلة علمه بكتاب الله وأسراره، وعندما اقتصر عليه من نظره، ونقص فكره وتحيره، ولتركه علم ما خفي عليه من آياته، عند من جعله الله معدنا لعلم خفياته، ممن انتجب واصطفى، وجعل له المنزلة - عنده - الزلفى، أن في كتاب الله تناقضا واختلافا، وأنه إنما اعتسف القول فيه اعتسافا، فقاده جهله بالكتاب، إلى جهل رب الأرباب، لأن من جهل صنع الله للكتاب في آية واحدة من آياته، كمن جهل صنع الله في أرضه وسماواته، لا فرق بين ذلك في حكمة ولا حكم، وواحدذلك كله في الخطيئة والجرم، فمن جهل أن كل ما سمع من آية الكتاب فوحي الله وتنزيله، وأن كل آية منه فلا يحتملها ولا يحكمها إلا حكمة الله وتفصيله، فهو بكتاب الله من الجاهلين، وعن حكمة الله فيه من الضالين، بل هو بالله في جهله ذلك إن جهله من الكافرين، ولأكثر نعم الله عليه فمن غير الشاكرين، والحمد لله فيه لا شريك له رب العالمين، ونعوذ بالله في كتابه من عماية العمين ، ونسأله أن يجعلنا لهداه فيه من المتبعين، وبما نزل فيه من حكمته ورحمته من المنتفعين.
وفيما أمر به من اتباعه، في الإنصات له واستماعه، ما يقول الله سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: {اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين} [الأنعام: 106].
وفي ذلك أيضا ما يقول لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله، : {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} [الجاثية:18].
وفي الإنصات والاستماع ما يقول سبحانه: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204].
পৃষ্ঠা ৩
[القرآن عظة ونور]
وفيما في تنزيل الله من الموعظة والنور، وما جعله عليه من الشفاء لما في الصدور، ما يقول سبحانه: {يا أيها الناس قد جاءتكم بينة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [التوبة: 14]، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم إلى ما فيه من الهدى والنور من المهتدين.
وفي تبيين ما نزل الله في كتابه من الآيات، وجعل فيه من المواعظ الشافيات، لمن قبله وفهمه عن الله جل جلاله، من عباده البررة المتقين الأتقين ما يقول سبحانه: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين، الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} [النور: 34 35]. فمثل سبحانه ما في كتابه من نوره وهداه، وما وهب - من تبيينه فيه برحمته - أولياه، بمشكاة قد ملئت نورا بمصباح في زجاجة نقية ككوكبدري، ومثل كتابه بما فيه من هداه بنور مصباح زاهر مضي، قد نقيا من كل ظلمة وغلس، وصفيا من كل كدر ونجس، فأعلمنا سبحانه بأنه هو نور السماوات والأرض ومن فيهما، إذ هو الهادي لكل من اهتدى من أهليهما.
পৃষ্ঠা ৪
وقد قيل في التفسير: إن المشكاة هي الكوة، التي يجمع ما فيها كما يجمع ما فيه السقا والشكوة، فنور هدى كتاب الله محفوظ بالله مجتمع، وكل من وفقه الله لرشده فهو لأمر الله كله فيه متبع، لا يسوغ لأحد عند الله من خلافه سائغ، ولا يزيغ عن حكم من أحكام الله فيه إلا زائع، يزيغ الله قلبه بزيغه عنه، ويفارق من الهدى بقدر ما فارق منه، كما قال علام الغيوب: وخلاق ما ضل واهتدى من القلوب: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} [الصف: 5].
পৃষ্ঠা ৫
[القرآن الحكم الفصل]
وفيما جعل الله في كتابه من الحكم والفرقان والفصل، ما يقول الله تبارك وتعالى:{إنه لقول فصل وما هو بالهزل} [الطارق: 12 13]. والفصل فهو الحكم الجد الرشيد، والهزل فهو اللعب والكذب والتفنيد، وفي ذلك ومثله، وما نزل الله فيه من فصله، ما يقول سبحانه: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1].
والفرقان فهو: التفصيل من الله فيه لرشده. فمن لم يرشد بكتاب الله فلا رشد، ومن ابتعد عن كتاب الله فبعد، كما بعدت عاد وثمود، ومن لم يهتد في أمره بكتاب الله وتنزيله، لم يهتد بغيره للحق أبدا ولا لسبيله، بل لن يبصر ولن يرى، للحق عينا ولا أثرا، ولا يزال - ما لم يراجعه - متحيرا ضالا، ومعتقدا - ما بقي كذلك - حيرة وضلالا، يعد نفعا له ما يضره، وثقة عنده أبدا من يغره، مرحا لهلكته فرحا، يرى غشه له برا ونصحا، يخبط بنفسه كل ظلمة وعشواء، متبعا في دينه وأمره كله لما يهوى، إن قال مبتديا عسف، أو حكى عن غيره حرف، افتراءا وبهتانا، وقسوة ونسيانا، أثرة منه للباطل على الحق، ونقضا لما عقد عليه من العهد والموثق، كما قال الله سبحانه: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به، ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح، إن الله يحب المحسنين} [المائدة: 13].
পৃষ্ঠা ৬
فالويل كل الويل لمن لم يكتف في أموره وأمور غيره بتنزيل رب العالمين ، كيف عظم ضلاله وغيه ؟! وضلت أعماله وسعيه، فيحسبه محسنا وهو مسيء، ورشيدا في أمره وهو غوي، كما قال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 103 104]، أفليس هذا هو الذي ظن والله المستعان ضره له نفعا ؟! وحسب ضلالته هدى، وهدايته إلى الجنة ردى، كما قال سبحانه: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون} [الزخرف: 36 37].
وفي القرآن وأمره، وما عظم الله من قدره، ما يقول سبحانه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} [الحشر: 21].
وفيه وفي خلاله، وما من الله به من إنزاله، ما يقول تباركت أسماؤه لمن نزله عليهم كلهم جميعا معا: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا} [الرعد: 31].
পৃষ্ঠা ৭
أو لم يسمع من آمن بالله سبحانه في آيات نزلها من الكتاب: { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب} [إبراهيم: 52]، وفي مثل ذلك بعينه، وفيما أنزل من تبيينه، ما يقول سبحانه: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} [آل عمران: 138]. ويقول سبحانه: { وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } [النحل: 89]. فجعله سبحانه تبيانا وحجة على من فسق وكفر، وهدى ورحمة وموعظة لمن اتقى وشكر.
পৃষ্ঠা ৮
[القرآن رحمة وشفاء]
وفيه وفي رحمة الله به وشفائه، وما جعل فيه لكل ذي حكم من أكفائه، ما يقول سبحانه: { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } [العنكبوت: 51]. فمن لم يكتف بضيائه فلا كفي، ومن لم يشتف بشفائه فلا شفي، ففيه شفاء كل داء، وبيان كل قصد واعتداء، فلا يعرض عنه أبدا مهتد، ولا يصد عنه إلا كل معتد، هالك مهلك، يأفك ويؤفك، يفتري على الله الإفك والزور، ويؤثر على اليقين بالله الغرور، فهو أبدا التائه المغرور، وقلبه فهو الخراب البور، الذي لم يعمر بهدى الله منه معمور، ولم يسكنه من أنوار حكمة الله نور.
أو ما سمع - ويله - قول الله جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله، : {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة : 48]، فكفى بهذا على من أعرض عن كتاب الله بيانا وبرهانا واحتجاجا.
পৃষ্ঠা ৯
وأين بمن عرف الله وحكمته ؟ وإحسانه بتنزيل الكتاب ونعمته، عن كتاب الله وتنزيله، وما فيه من فرقان الله وتفصيله، وهل يذهب عنه إلا عمي القلب مقفله ؟! لا يتدبر حكم الله ولا يعقله، كما قال سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24]، فلا يسقط أبدا المعرفة بما جعل الله في كتابه من النور عن القلوب إلا انقفالها، ولا ينقفل قلب عما فيه من الهدى إلا بضلال، ولا يترك ما ذكر الله من تدبيره إلا من كان من الضلال، فأما من نور الله قلبه، ورضي عقله ولبه، فلا يعدل بتذكر ما أنزل من الكتاب، كما قال الله سبحانه: {وما يتذكر إلا أولوا الألباب} [البقرة: 269]، وقال سبحانه في كتابه، وما ذكر الله من نعمه وتذكيره به: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37].
وماذا يا سبحان الله يريد ؟! من خلق الله كلهم مريد رشيد ؟ بعد قوله تبارك وتعالى لقوم يسمعون: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران: 83]. فأخبر سبحانه عن استسلام من في سماواته وأرضه، لحكمه فيهم وفي غيرهم وفرضه، وأخبرهم عن مرجعهم جميعا إليه، ليحفظ كل امرئ ما حكم به له وعليه، تعليما من الله لهم لا كتعليم، وهداية من الله لهم إلى صراط مستقيم.
পৃষ্ঠা ১০
فكتاب الله أعانكم الله ما حييتم فاحفظوا، وبه هداكم الله ما بقيتم فاتعظوا، فإنه أوعظ ما اتعظ به متعظ، وخير ما احتفظ به منكم محتفظ، لما جعل فيه لحافظه من النجاة، ووهب لمواعظه لمن اتعظ بها من الحياة، فعليه فاحيوا ما حييتم، وبه فتمسكوا ما بقيتم، وفيه ما يقول لمن كان قبلكم رب العالمين: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين} [الأعراف: 170]. فالتمسك به أحسن الإحسان، وحقيقة الإصلاح والإيمان.
পৃষ্ঠা ১১
[حفظ الكتاب من الضياع]
وهو فكتاب الله المحفوظ الذي لم يضع منه بمن الله قط آية، فيضيع بضياعها من الله نور وبيان وهداية، وكيف يذهب منه شيء أو يضيع ؟! أو يتوهم أن الله سبحانه له مضيع ؟! بعد قوله تبارك وتعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، إن الله بكل شيء عليم} [التوبة: 115]. وبعد قوله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأنعام: 130]. وبعد قوله سبحانه: {وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} [الأنعام: 126]. فكيف يصح أن يذهب منه شيء وهو صراط الله المستقيم ؟! وتبيانه لكل شيء ففيه لعباده هدى وتقويم!
وفيه ما يقول سبحانه: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9]، فهل بقي لأحد من بعده عذر أو متلوم ؟! وكيف يصدق مفتر على الله في ضياعه ؟!! وقد أمر تبارك وتعالى عباده باتباعه، فقال فيه: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]. وقال تبارك وتعالى فيه: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3].
পৃষ্ঠা ১২
وقال سبحانه: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} [الأنعام: 155]. وقد قال قوم مبطلون، عماة لا يعقلون: أن قد ذهب منه بعضه فافتروا الكذب فيه وهم لا يشعرون !! وقالوا من الافتراء على الله في ذلك بما لا يدرون.
فيا سبحان الله!! أما يسمعوا لقول الله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9]. وقوله سبحانه : {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 22].
পৃষ্ঠা ১৩
وكتاب الله فهو الذكر الحكيم، والقرآن المكرم العظيم، فمن أين يدخل عليه مع حفظ الله له ضياع ؟ أو يصح في ذلك لمن رواه عن أحد من الصالحين سماع، مع ما كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله من الأصحاب، وكان عليه أكثرهم من المعرفة بالخط والكتاب، إن هذا من الافتراء لعجب عجيب، لا يقبله مهتد من الخلق ولا مصيب . فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله أن يهب لنا بكتابه علما، ويجعله لنا في كل ظلمة مظلمة سراجا مضيا، ومن كل غلة معطشة شفاءا وريا، فقد جعله ريا من الظمأ لمن كان ظميا، وضياءا من العمى لمن كان جاهلا عميا، فهوا البصر المضيء الذي لا يعمى، والري الروي الذي لا يظمأ، فمن روي به من الصدى بإذن الله ارتوى، ومن أبصر ما فيه من الهدى سلم أن يضل أو يغوى، بل هو سراج السرج، وحججه فأبلغ الحجج، كما قال الله ذو الحجج البوالغ، والحق المبين الغالب الدامغ : {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: 149]. وقال سبحانه: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} [الأنبياء: 18]. فمن عمي عن حججه فلن يبصر، ومن حآج بغيره فلن يظفر، ومن ضل عنه عظم ضلاله، ومن قال بخلافه كذب مقاله، ضياء سراجه ووحيه ساطع لائح، وعزم أمره ونهيه رحمة من الله ونصائح.
পৃষ্ঠা ১৪
فيه قصص الأمم والقرون، وتفصيل الحكم كله والشئون، يخبر عن السماء والأرض وابتدائهما، وعن الجنة والنار وأنبائهما، وعما فطر من الجن والإنس، وخلق من كل بدن ونفس، بأخبار ظاهرة جلية، وأخر باطنة خفية، إلا عمن خصه الله بمستورها، وأطلعه بمنه على خفي أمورها، فعنده منها، ومن الخبر عنها، عجائب كثيرة لا تحصى، وعلوم جمة لا تستقصى، فهو ينظر إليها ويراها، بغير قلب منه يرعاها، فلا يخفى عنه مما أظهر الله به منها خافية، وموهبة الله له في نفسه بعلمها من كل علم فكافية، فإن شاء أن ينطق فيها نطق، فأحق في خبره عنها فصدق، وكان بها وفيها أصدق قائل، وإن سكت عنها سكت غير جاهل، فهو لعلومها قرين، وعلى مكنونها أمين، إن ذكر منها بآية رعاها، أو سمعها عن الله وعاها، لا تصم عنها له أذن ولا يقين، ولا تعمى عنها منه فكرة ولا عين، فهو ينظر إلى ما أرته بيقين قلبه عيانا، كما قال سبحانه: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} [الفرقان: 73].
পৃষ্ঠা ১৫
ليس بمن الله عليه، ولا مع إحسان الله إليه، بمستكبر عليها، ولا بمصر فيها، فيكون كمن ذكره الله فيها بإصراره، وإعراضه عنها واستكباره، فقال سبحانه: {ويل لكل أفاك أثيم، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم، وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} [الجاثية: 7 9]. ولا كمن ذكر بآيات الله فأعرض عنها وظلم، ولم يعلم عن الله منها ما علم، كما قال تبارك وتعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا} [الكهف : 57]، بل وهبه برحمته ومنه وفضله قبول ما جاءت به آيات الله من النور والهدى، فسمعها عن الله بأذن منه واعية، وعلمها من الله بنفس في علمها ساعية، ثم لم يمنعها من أهلها فيأثم، ولم يضعها في غير موضعها فيظلم، كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم، وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام :54 55]، ففصل تبارك وتعالى آياته وبينها لمن يستحق تفصيلها وبيانها من المؤمنين.
পৃষ্ঠা ১৬
[المعرضون عن الذكر]
وقال تبارك وتعالى فيمن أعرض عن ذكره بعد قيام حجته وطغى وتعدى: {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} [النجم: 30].
وكما قال عيسى بن مريم، صلى الله عليه وسلم: (( لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تبذلوها لمن لا يستأهلها فتظلموها، ولا تطرحوا كرائم الدر بين الخنازير فيقذروها)).
وكما قيل للمتكلمبالحكمة عند من لا يعقلها، ويؤثرها فيقبلها، كالمغني عند رؤوس الموتى، وكذلك من أمات الله قلبه عن آياته، فلم يقبلها هلكة وموتا .
وكما ذكر عن يحيى بن زكريا صلى الله عليه: أنه سارت طائفة من الزنادقة وأبنائها إليه، يريدون تطهرته ومسألته تعنتا وتمردا، فقال لهم إذ علم أنهم لا يريدون بمسألته الرشد والهدى، عندما طلبوا من ذلك إليه: يا أبناء الأفاعي، ائتوا بثمرة تصلح للتطهر والتزكي، وأبى صلى الله عليه أن يطهرهم، إذ عرف كفرهم وأمرهم، فكتاب الله أولى ما أعز وأكرم، إلا عمن آمن بالله واستسلم، فأما من أعرض عنه وتمرد عليه، فحقيق بأن لا يعلم بسر من أسرار حكمة الله فيه.
পৃষ্ঠা ১৭
ومن قبل مصير كتب الله إلينا، ومن الله بتنزيله علينا، ما صار من الله إلى السماوات ودار بين أكنافها، وشهد بترتيله من ملائكة الله جميع أصنافها. ومن قبل منه علينا به من على الملائكة بعلمه، وما وهبهم من سماع حكمه، وفي ذلك من شهادتها وبيانه، وما نزل الله منه في فرقانه، ما يقول سبحانه: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا} [النساء: 166]، فكفى بهذا الحكم لكتاب الله والحمد لله تبيينا وتوكيدا، وفيه حجة وبيانا، وعليه دلالة وبرهانا، فأين يتاه بمن غفل عنه ؟!! وهل يجد واجد أبدا خلفا منه ؟!.
كلا لن يجده، ولو جهده جهده ! نزل به من الله سبحانه روح القدس، شفاءا من المؤمنين لكل نفس، فزادهم به إلى إيمانهم إيمانا، ووهبهم به بصيرة وإيقانا، وجعله الله عمى ورجسا، لمن كان عميا نجسا، كما قال سبحانه: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة : 124- 125]. فجعله الله لأعدائه ولمن لم يقبله وعمي عنه رجسا وتبارا، كما قال سبحانه: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} [الإسراء: 82].
পৃষ্ঠা ১৮
{كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42]. فكتاب الله إمام لكل مهتد من خلق الله رشيد، أعزه الله عن الوهن والتداحض فلا يتصلان به أبدا، ومنعه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ حفه بالنور والهدى، فنوره وهداه مقيمان أبدا معه، مضيئان مشرقان لمن قبله عن الله وسمعه، ساطع فيه نور شمسهما، بين هداه ونوره لملتمسهما، لا يميلان بمتبع لهما عن قصده، ولا يمنعنان من طلب رشدهما عن رشده، بل يدلانه على المراشد المرشدة، ويقصدان به الأمور المعدة، التي لا يشقى أبدا معها، ولا يضل أبدا من اتبعها، فرحم الله امرأ نظر فيه فرأى سعادته ورشده وهداه، فجانب شقوته وغيه ورداه، قبل أن يقول في يوم القيامة مع القائلين: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضآلين} [المؤمنون: 106]. فضلال من ترك كتاب الله لا يغبى، إلا على من لم يهبه الله عقلا ولبا، كتاب نزله الله الرحيم الأعلى، برحمته من فوق السماوات العلى، فأقر في أرضه قراره، وبث في عباده أنواره، فنوره ظاهر لا يخفى، وضياءه زاهر لا يطفا، مشرق نوره بالهدى يتلألأ، كما قال سبحانه تبارك وتعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32]. فأبى الله سبحانه إلا تمامه فتم، وخاصم به من هدي لرشده من خلقه فخصم، برهانه منير مضيء، وتبيانه مسفر جلي، فهو من إسفاره وتبيانه، وهداه ونوره وبرهانه، كما قال الله سبحانه: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا، فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} [النساء: 174 175].
পৃষ্ঠা ১৯
فمن اعتصم بنور كتاب الله وبرهانه، واتبع ما فيه من أموره وتبيانه، أدخله الله كما قال سبحانه مدخلا كريما، وهداه به كما وعد صراطا مستقيما، ومن أبصر به واهتدى، لم يعم بعده أبدا، ومن عمي عنه فلم ير هداه، وتورط من غيه ورداه، في بحور ذات لج من الجهالات، وتخبط في غور لجج من الضلالات، لا يخرج من تورط فيها من ضيق غورها، ولا ينجو غريق بحورها، من نار تبوبها، وحيرات سهوبها، فلا صريخ له فيها ينقذه من تب، ولا هاد يهديه منها في سهب، فهو في لج بحورها في تبوب، ومن ضلالات غورها في سهوب، متحير بين هلكة وثبور، وضلال حيرة في ظلمة وبحور، موصول ضلاله وعماه، بما هو فيه من عاجلته ودنياه، بعمى من الآخرة لا يبيد، بل له فيها البقاء أبدا والتخليد، كما قال سبحانه: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} [الإسراء:72]، فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله فلن يصيب عليه أبدا دليلا، ومن لم ينج به من خبوت الحيرة والجهالة، ويحيى بروحه من موت العمى والضلالة، لم يزل لسبيل الجهل سالكا، وبموت العمى والضلال هالكا؛ لأن الله جعله روحا من موت الضلالة محييا، وضياءا من ظلم الجهالة منيرا مصحيا، فمن أحياه الله بروحه فهو الحي الرضي، وما كان فيه من حق فهو المصحي المضيء، لا تلتبس به الأغاليظ، ولا تشوبه الأخاليط، فهو النقي المحض، والجديد أبدا الغض، لا يخلق جدته تكرار، ولا يدخل محضه الأكدار، بل نقي من ذلك كله فصفى، فأغنى بمن الله وكفى، فليس معه إلى غيره حاجة ولا فاقة، ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد ولا مشآقة.
পৃষ্ঠা ২০