وبقرب هذا الدير بئر تعرف ببئر [مماتي]، عليها شجرة جميز، يجتمع الناس إليها، ويتنزهون عندها، ويشربون، وهذا الموضع نزه، طيب، من مواطن اللعب واللهو والطرب، خصوصًا في أيام زيادة النيل، حين تمتلئ البركة، فهو أحسن منتزه بمصر، وفيه يقول ابن عاصم:
يا طيبَ أيامٍ سفحتُ مع الصّبا ... طوع الهوى فيها بسفح المنظر
فالبركةُ الغناءُ، فالديرُ الذي ... قدْ هاجَ فرطَ صبابتي وتفكيري
فاشربَ على حسن الرياضِ وغنّني ... [وانظر إلى الساقي الأغنِّ الأحور
فلعلَّ أيامَ الحياة قليلة] ... ولعلني قدّرتُ ما لم يقدر
وقال أيضًا يذكره:
عرجْ بجميزةِ العرجا مطياتي ... وسفحِ حلوان، والممْ بالتويتاتِ
والممْ بقصرِ ابن بسطام فربتما ... سعدتُ فيهِ بأيّامي وليلاتي
وأقرأ على ديرِ مرحنا السلامَ فقدْ أبدى تذكرهُ من صباباتي
وبركةِ الحبشِ اللاتي ببهجتها ... أدركتُ ما شئت من لهوي ولذاتي
كأن أجبالها من حولها سحبٌ ... تقشعتْ بعدَ قطرٍ عن سماواتي
كأنَّ أذنابَ ما قدْ صيدَ فيهِ لنا ... منْ أبرميسَ، وراي بالشبيكاتِ
أسنّةٌ خضبتْ أطرافها بدمُ ... أوْ دستجٍ، نزعوهُ منْ جراحاتِ
منازلًا كنتُ أغشاها، وأطرقها ... وكنَّ قدمًا مواخيري وحاناتي
وقال أمية بن أبي الصلت المغربي يذكر هذا الدير:
يا ديرَ مرحنّا، لنا ليلةٌ ... لو شريتْ بالنّفسِ لم تبخسِ
بتنا به في فتيةٍ أعربتْ ... آدابهم عنْ شرفِ الأنفسِ
والليلُ في شملة ظلمائهِ ... كأنّهُ الراهبُ في البرنسِ
نشربها صهباءَ مشمولةً ... تغني عنِ المصباحِ في الحندسِ
وهي إذْ نفسَ عن دنها ... أذكى منَ الرّيحانِ في المجلسِ
يسعى بها أهيفٌ طاوي الحشا ... يرفلُ في ثوبٍ منَ السّندسِ
تجنيكَ خدّاهُ وألحاظهُ ... نوعينِ من وردٍ، ومنْ نرجسِ
قدْ عقدَ المئزرَ في خصرهِ ... على قضيبِ البانةِ الأملسِ
يفعلُ في الشّربِ بألحاظهِ ... أضعافَ ما يفعلُ بالأكؤس
وقال تميم يذكره:
أيا ديرَ مرحنّا سقتكَ رعودُ ... من الغيثِ تهمي مرّةً وتعودُ
فكم واصلتنا في [رباكَ أوانسٌ] ... يطفنَ علينا بالمدامةِ غيدُ
وذكره إبراهيم الكاتب القيرواني، فقال:
وفي بئرِ دوسٍ مسترادٌ وملعبٌ ... إلى ديرِ مرحنّا إلى ساحلِ البحرِ
٢٣٣ دير مرقس: من نواحي كورة الجزر، من نواحي حلب. فقال حمدان بن عبد الرحيم، وهو من أهالي تلك النواحي، وكان شاعر عصره بعد الخمسمائة:
ألا هلْ إلى حث المطايا إليكمُ ... وشمِّ خزامى حربنوش سبيلُ
وهل غفلاتُ الدّهرِ في ديرِ مرقسٍ ... تعودُ، وظلُّ اللهوِ فيه ظليلُ؟
إذا ذكرتْ لذاتها النفسُ بعدكم ... تلافى عليها رنّةٌ وعويلُ
بلادٌ بها [أمسى] الهوى غيرَ أنّني ... أميلُ معَ الأفدارِ حيثُ تميلُ
٢٣٤ [دير مرجش: سمعت به، ولا أعرف موضعه] .
٢٣٥ دير مر عبدت: بذات الأكيراح، من نواحي الحيرة، على سبعة فراسخ منها، من جهة الغرب، وهو منسوب إلى مر عبدا بن حنيف بن وضاح اللحياني، وكان من ملوك الحيرة. وهو دير ابن وضاح، وفيه يقول ابن خارجة:
إلى الدّساكر، بالديرِ المقابلها ... من الأكيراحِ، أو ديرِ ابنِ وضّاحِ
٢٣٦ دير مر ماجرجس: بنواحي المطيرة، من سامرا.
قال فيه أبو الطيب القاسم بن محمد النميري، وكان صديقًا لابن المعتز:
نزلتُ بمر ماجرجس خيرَ منزلِ ... ذكرتُ بهِ أيامَ لهوٍ مضينَ لي
تكنّفنا فيه السرور، وحفّنا ... فمنْ أسفلٍ يأتي السرورُ ومنْ علِ
وسالمتِ الأيامُ فيه وساعدتْ ... وصارتْ صروفُ الحادثاتِ بمعزلِ
يدير علينا الكأسَ ظبيٌ مقرطقٌ ... يحثُّ به كاساته، ليسَ يأتلي
فيا عيشُ ما أصفى! ويا لهوُ دمْ لنا ... ويا وافدَ اللذاتِ حييتَ فانزلِ
وقد ذكر الشابشتي هذا الدير في كتابه مع (مرجرجس) ولعله هو.
٢٣٧ دير مرماري: هو من نواحي سامرًا، من جنونها، عند قنطرة وصيف.
1 / 53