فإن قال: لم لا يجوز ذلك؟ قيل له: إن الله عز وجل لم يوجب على الواحد أن يقاتل أكثر من الإثنين، فإن قال: أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المقتول دون ماله شهيد) (¬1) ، وقال عليه السلام: (أفضل الأعمال كلمة حق يقتل عليها صاحبها عند سلطان جور) (¬2) ؟ قيل له: قد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى في ذلك أن الإنسان إذا قاتل على ماله من يرجو أن يظفر به ويمتنع من تعديه، فقتله المتعدي، فهو شهيد؛ لأنه إذا جاءه مائة رجل بالسلاح فله أن يقاتلهم مع علمه أنه لا يبلغ منهم مراده من المنع، وأما قتاله لهم إنما يؤدي إلى قتله دون سلامته، فهذا قاتل لنفسه وألقى بيده إلى التهلكة. وإنما (¬3) الذي يتكلم بالحق عند سلطان جائر، فقتل عليه فهو أن يتكلم بكلمة حق وهو يرجو بها النجاة في الدنيا والآخرة من تصويب دين المسلمين، أو بنهي السلطان عن منكر يفعله وهو يرجو أن يقبل منه وينتهي عن ذلك، ويحسن موضع النهي معه ويقتل عليها فهذا ونحوه. فإن قال: فهل يجوز أن يتزيا أحد المسلمين بزي يعرف به الفساق ويبينون به من غيرهم كالجبابرة (¬4) وعمالهم وأهل الذمة؟ قيل: لا ينبغي للمؤمن أن يلبس شيئا من زيهم ولا بتزيا به لئلا يتهمه من يراه، ويجب على المستور من الناس أن لا يفعل فعلا يتهم من أجله، كما لا يجوز له مجالسة المنهوكين في المواضع الوعرة، كما لا يجوز للمؤمن أن يتشبه بزي أهل الذمة في زيهم، ولا يؤثم الناس بفعل يفعله بنفسه؛ لأنه يصير متهما بأنه منهم. والله أعلم.
مسألة
¬__________
(¬1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.
(¬2) رواه مسلم وأبو داود.
(¬3) في (ب) و (ج) وأما.
(¬4) في (أ) الخيانة.
পৃষ্ঠা ১১৯