(٢٠ - ٨) وفي "الصحيحين" من حديث وفاة إبراهيم:
"إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ" (١):
قال ﵀! -: يجوز في "الرّحماء" النصب على أن تكون "ما" كافة؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ [البقرة: ١٧٣]، والرفع على تقدير: "إن الّذي يرحمه الله .. "، وأفرد على معنى الجنس؛ كقوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: ١٧]، ثمّ قال: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ (٢)
_________
(١) صحيح: أخرجه البخاريّ (١٢٨٤)، ومسلم (٩٢٣)، وأبو داود (٣١٢٥)، والنسائي (١٨٦٨)، وأحمد (٢١٢٦٩).
(٢) قال البرهان البقاعي: "وأفرد الضمير باعتبار لفظ "الّذي" فقال: "ما حوله" ..، وجمع الضمير نظرًا إلى المعنى؛ لئلا يتوهم أن بعضهم انتفع دون بعض".
وقال الآلوسي: .. و"الّذي" وضع موضع "الذين"- إن كان ضمير "بنورهم" راجعًا إليه؛ وإلا فهو باق على ظاهره؛ إذ لا ضير في تشبيه حال الجماعة بحال الواحد، وجاز هنا وضع المفرد موضع الجمع، وقد منعه الجمهور .. إلى أن قال: فالوجه أن يقال: إنّه نظر إلى ما في "الّذي" من معنى الجنسية العامة؛ إذ لا شبهة في أنّه لم يردّ به "مستوقد" مخصوص ولا جميع أفراد المستوقدين، والموصول كالمعرف باللام، يجري فيه ما يجري فيه، واسم الجنس وإن كان لفظه مفردًا قد يعامل معاملة الجمع؛ كـ ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ﴾ [الإنسان: ٢١]، وقولهم: الدّينار الصفر والدرهم البيض،، أو يقال: إنّه مقدر له موصوف مفرد اللّفظ مجموع المعنى، كالفوج والفريق، فيحسن النظام، ويلاحظ في ضمير "استوقد" لفظ الموصوف، وفي ضمير "بنورهم" معناه".
وقال ابن جني: "ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله، وأفرد الضمير لأنّ هذا موضع يكثر فيه الواحد؛ كقولك: هو أحسن فتىً في النَّاس، قال ذو الرمة:
ومية أحسن الثقلين وجها ... وسالفة وأحسنه قذالا
فأفرد الضمير مع قدرته على جمعه. وهذا يدلُّك على قوة اعتقادهم أحوال المواضع وكيف ما يقع فيها؛ ألَّا ترى أن الموضع موضع جمع، وقد تقدّم في الأوّل لفظ الجمع فترك اللّفظ وموجَب الموضع إلى الإفراد؛ لأنّه ممّا يؤلف في هذا المكان.
وقال سبحانه: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ [الأنبياء: ٨٢]، فحمل على المعنى، وقال: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ١١٢]، فأفرد على لفظ "من" ثمّ جمع من بعد .. ".
1 / 61