وتارات يسكت عن تخريج الحديث، وإن كان الحديث قلما يخرج عن مسند أحمد.
ثمّ إن العكبري ما يذكر الحديث كاملًا، بل يكتفي بما يراه قد يُشْكِلُ أو يلحن فيه الرواة، فيذكره ثمّ يعقب عليه بأن يقول: الجيد فيه كذا، أو: الوجه كذا، أو يذكر علة نصبه أو رفعه أو جره مثلًا (١)، موجهًا - في ذلك كله - أوجه الإعراب
الجائزة، محتجًّا لما يراه راجحًا أو جائزًا.
وأمّا احتجاجه، فيكون - في غالب الأمر - بكتاب اللَّه تعالى، ثمّ الحديث النبوي الشريف، ثمّ بالشعر وأقوال العرب الواردة عنهم.
وقد يتعرض أبو البقاء لذكر خلاف بين البصريين والكوفيين في إحدى المسائل النحوية، مرجحًا أو ساكتًا سكوتًا يعرف منه ما يميل إليه من القولين، وفي بعض الأحيان يذكر الخلاف دون ترجيح، فيفهم منه إجازته القولين جميعًا:
ومثال الأوّل: ما رجحه في حديث: "هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام" من دخول "من" لابتداء غاية الزّمان، وهو مذهب الكوفيين.
ومثال الثّاني: ما قدم به من إعراب لكلمة "أسعد" من حديث: "فإنّه رب مبلغ أسعد من سامع" حيث قضى على الحديث بمذهب البصريين، ثمّ عقب بمذهب الكوفيين قائلًا: "وبنوه على رأيهم في أن "رب" اسم مرفوع بالابتداء .. ".
وهو هنا بتقديمه لكلام البصريين كان كالأصل له في هذه المسألة.
ومثال الثّالث: ما ذكره من تقدير في حديث: "إذا كان أحدكم في صلاة فلا يرفع بصره .. " الحديث، حيث قال بعد كلام: " ..، والكوفيون يقدرونه: لئلا يلتمع بصره، والمعنى واحد".
_________
(١) وقد يصادر الحكم على الكلمة المشكلة، فيقول مثلًا: "والصواب الّذي لا معدل عنه كذا .. ".
1 / 33