الذي جرت عليه وكانت حالا له، فهذا التأويل الذي تأوله يوجب أن يكون الدار فرسخا في مقدارها وقياسها، وإنما معنى الكلام المراد فيه أن بين الدارين فرسخا.
وأما تمثيله تباعدت، كأنك قال: تباعدت فرسخا، فنحن لو قلنا هذا لما كان الفرسخ أيضا حالا للعلة التي ذكرنا، ولا فرق بين قولنا: سرت فرسخا، وتباعدت فرسخا، إن شئت أن يكون ظرفا وإن شئت أن يكون مفعولا، ولو جعلته حالا كان هو الأولى.
وأما قوله: إن الحال قد تكون اسما غير صفة نحو قولك: مررت بخاتمك حديدا، ومررت بقومك عشرة فهذا مما ييسر قولنا ويعسر قوله، وذلك أن العشرة هم قومه والخاتم هو حديد، فيلزمه أن يكون الفرسخ هو الدار، والتأويل ما ذهب إليه سيبويه، وإنما كان التقدير، داري خلف فرسخ أو بعد فرسخ من دارك، فلما أضاف الخلف إلى دارك وحال بالمضاف إليه بين الخلف وبين الفرسخ انتصب الفرسخ على التمييز كما حالت النون بين العشرين وبين الدرهم، وكما حالت الهاء والميم في قولهم: أفضلهم رجلا بين الصفة وبين رجل، وكما حال الفاعل بين الفعل والمفعول وانتصب المفعول، وهذا كله مطرد.
مسألة [٤٠]
ومن ذلك قوله في هذا الباب: (واعلم أن ظروف الزمان أشد تمكنا في الأسماء، لأنها تكون فاعلة ومفعولة، تقول: أهلكك الليل والنهار، واستوفيت أيامك).
قال محمد: والأمكنة كذلك، تقول: أنصبك الطريق، وبعد عليك الفرسخان وسرت الميلين، فإن قال: الطريق لا ينصبك على /٥٥/ الحقيقة، إنما أنت سرت فنصبت، وسرت الميلين إنما هما مفعولان على السعة، قيل: فكذلك الدهر، لأن الليل والنهار إنما يتلف الله [سبحانه الناس] فيهما كما يتلفهما، ويفنى الناس كما يفنيهما، وذلك استوفيت أيامك،
1 / 114