القسري وقد كان سجنه، فيكون تأويل قوله: وما سجنوني على هذا، وما أخملوا ذكري، ولا صغروا بحسبي وفضائلي بسجنهم إياي، ولكني ابن غالب المعروف على كل حال.
وأما قوله: وقد ذكر أشياء كثيرة تركنا ذكرها لاستغنائها ببعض عن بعض، فما علمت "أن" في الباب مسألة إلا وسيبويه موافق عليها. لا تحتمل شيئا مما ذكره محمد غير أنه تأول فيها المعنى تأولا ضعيفا بعد أن اختار قول سيبويه وبنى التفسير عليه، وهو قوله جل وعز: ﴿لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم﴾ فلا يجوز في قول أحد: إن من رحم يكون بدلا من عاصم، لأنه إن أبدل منه صار من رحم يعتصم [به] من الله، وهذا محال.
وقد اتفق أهل اللغة جميعا أن تأويل (إلا) هاهنا الانقطاع، وأنه لا يجوز أن يكون مبدلا من الأول، "وكذلك" قال الفراء في كتاب المعاني، إلا أنه زعم في آخر كلامه بعد أن مضى صدره على ما ذكرنا، أنه تأول متأول أن عاصما في معنى معصوم جاز البدل كما كان في ﴿عيشة راضية﴾ بمعنى مرضية، و﴿ماء دافق﴾ بمعنى مدفوق، وهذا تأويل فاسد، لأن مثل ذا إنما يجوز فيما لا يلبس، فأما ما ألبس فلا يجوز فيه ذلك، ألا ترى أنك لو قلت: لا ضارب في الدار، وأنت تريد مضروبا، لم يعلم المخاطب حقيقة ما أردت، وكذلك لو قلت: رأيت زيدا ضاربا، وأنت تريد مضروبا، لم يعلم ما نويت، وفي هذا اختلاط الكلام والتباسه وفساده.