قلت: يأباه قوله عندي، وأيضا فلو كان بصدد مذهبهم لم يبق معنى لصوت الجلال الدواني، وهذا هو مذهب الفلاسفة ؛ لأنه يصير مثابة السماء فوقنا، وعلى تسليم ذلك فهو أي الرازي قد صرح بأنه إذا حصل المرجح وجب الفعل كما مر، وليس المرجح عنده إلا إرادة كسائر الأشاعرة وقدمه أيضا، ويختص أي الرازي بشيء آخر وهو أنه قد اعترف في النهاية بما ذهب إليه جمع من المعتزلة كالبهشمية وغيرهم من أن الفعل يصح وقوعه من الفاعل لا المرجح، واثبت الفرق بالبديهة بين حصول الفعل بلا مؤثر فيه، وحصوله من دون مرجح يعني أن بديهة العقل إنما حالت الأول لا الثاني، وتبعه في هذا الفاضل الأصفهاني والتفتازاني كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
فإذا كان المرجح عندهم هو الإرادة وكان الفعل جائزا لوقوع بلا مرجح فقد أجازوا وقوع الفعل بلا إرادة من الباري تعالى، وأنه محض الإيجاب الذي قالت به الفلاسفة، وبنوا على القول به والقول بقدم العالم، والرازي إنما أراد بهذا الفرق المشار إليه أن يدفع إلزام الفلاسفة للمتكلمين بقدم العالم.
وقال ما معناه: أن البديهة أجازت ترجيح الجائع لأحد الرغيفين، والهارب لإحدى الطريقين بلا مرجح دون وقوع الأثر بلا مؤثر، والفعل بلا فاعل فقد وقع أي الرازي فيما فر عنه، وقد قرر ما ذهب إليه الأشعري في إلى المرجح نفس الإرادة، وقال به في بعض المواضع أيضا، ولا بد له من القول به ما دام قائلا بمذهب الأشعري من أن الترجيح لا ينشأ من جهة الفعل نفيا للحسن والقبح، ومنعا لتميز بعض الأفعال عن بعض كما مر.
পৃষ্ঠা ৬৯