قلنا: الذي يدل على أن المحدث لابد له من محدث أمران: أحدهما ما ذكره الشيخ أبو الحسين والرازي من المجبرة وغيرهما من المعتزلة والجبرية وهو ما يعلم أنه أي الجسم إذا كان في الأصل معدوما ثم خرج من العدم إلى الوجود لم يكن له بد من مخرج أخرجه وإلا وجب بقاءه على عدمه الأصلي، أما أنه كان في الأصل معدوما فقد دللنا على حدوثه والمحدث هو الموجود بعد أن لم يكن، وأما أنه لابد من أمر فلا شك في ذلك إذ هو يعلم بأدنى نظر وتأمل، بل من أصحابنا من قال هو معلوم ضرورة فصح أن ثم مؤثرا على سبيل الجملة. الأمر الثاني ما ذكره جمهور المعتزلة كأبي علي وأبي هاشم وغيرهما وأكثر الزيدية وهو القياس على أفعالنا كالبناء والكتابة بجامع الحدوث، وبيان ذلك أن أفعالنا محتاجة إلينا قطعا لأنها توجد بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب
كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا، ونريد بالمحقق فعل العالم المميز لفعله، والمقدر فعل الساهي والنائم فإنه لم يوجد بحسب قصده وداعيه وهو مع ذلك مضاف إليه،وإذا تقرر حاجتها إلينا فلابد من علة وهي إما عدمها ولا يصح لأن العدم نفي والنفي لا يحتاج إلى مؤثر (أو بقاؤها بعد وجودها) ، ولا يصح أيضا بدليل أن أحدنا يخرج عن كونه قادرا بل عن كونه حيا وأفعاله باقية مستغنية في بقائها عنه، فلم يبق إلا أن تكون محتاجة إلينا في حدوثها فيجب أن تكون علة احتياجها هي حدوثها، فإذا شاركها الجسم في الحدوث وجب مشاركته لها في الاحتياج إلى فاعل مختار وإلا بطل كونها علة، وهاهنا أصل وفرع وعلة وحكم، فالأصل أفعالنا، والفرع الأجسام والعلة الحدوث، والحكم وجوب الاحتياج إلى محدث وهذا هو القياس العقلي.
تنبيه:
পৃষ্ঠা ৩৭