إنه يقول في «تهافت التهافت»، في رده على الغزالي فيما شنع به على آراء الفلاسفة في النفوس الإنسانية:
فإتيانه بمثل هذه الأقاويل السفسطائية قبيح؛ فإنه يظن به أنه ممن لا يذهب عليه ذلك، وإنما أراد به مداهنة أهل زمانه، وهو بعيد عن خلق القاصدين لإظهار الحق، ولعل الرجل معذور بحسب وقته ومكانه؛ فإن هذا الرجل امتحن في كتبه.
ثم يقول بعد هذا:
فتعرض أبي حامد إلى مثل هذه الأشياء هذا النحو من التعرض لا يليق بمثله؛ فإنه لا يخلو من أمرين: إما أنه فهم هذه الأشياء على حقائقها فساقها ها هنا على غير حقائقها، وذلك من فعل الشرار، وإما أنه لم يفهمها على حقيقتها فتعرض إلى القول فيما لم يحط به علما، وذلك من فعل الجهال. والرجل يجل عندنا عن هذين الوصفين، ولكن لا بد للجواد من كبوة، فكبوة أبي حامد هي في وضعه هذا الكتاب - أي تهافت الفلاسفة - ولعله اضطر إلى ذلك من أجل زمانه ومكانه.
ونعتقد أنه يريد بهذا الكلام أن حجة الإسلام كان في رده على الفلاسفة وتشنيعه عليهم بما شنع به كان مرائيا مداهنا مصانعا!
3
ولم يكتف فيلسوف قرطبة بهذا، بل تناول المسائل المختلف فيها بين المتكلمين والفلاسفة، والتي رمى الغزالي هؤلاء بالكفر في بعضها، والابتداع في بعضها الآخر، تناول هذه المسائل واحدة بعد أخرى بالشرح، وتجلية رأي فلاسفة الإغريق فيها، وبيان أنه لا شيء على فلاسفة الإسلام في ذهابهم لرأي أرسطوطاليس المعلم الأول. إن أرسطوطاليس - في رأيه - هو الذي كمل الحق عنده، وهو من الذين عناهم الله بقوله:
يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب . وهذه مبالغة بلا ريب من فيلسوف الأندلس، غير أن حبك الشيء يعمي ويصم. والقياس مع الفارق الكبير طبعا، ولكن الأمثال لا تغير!
والكلام في هذه المسائل فيه لذة عقلية لو وجد القول مجالا، ولكن أمره يطول، ونحن في نطاق محدود من الورق؛ لذلك لا نجد بدا من الاكتفاء - من هذه المسائل - بالحديث عن مسائل معدودات نجد فيها غناء، وفيها بيان لمنهج فيلسوفنا في الدفاع عن رأيه، والذب عن الفلسفة والمنافحة عنها. (أ)
أولى هذه المسائل أهمية وخطرا - في رأيي - هي مسألة العقل ومدى قدرته على الوصول للحقائق التي يتطلع الإنسان الباحث إلى معرفتها. وقد سبق أن مسسنا هذه المسألة مسا رفيقا عند الحديث عن التوفيق بين الدين والفلسفة، ومع هذا فمن الخير أن نزيدها هنا بيانا.
অজানা পৃষ্ঠা