(119) ولأن هذه الحروف إذا جعلوها علامات أولا كانت محدودة العدد، لم تف بالدلالة على جميع ما يتفق أن يكون في ضمائرهم إلى تركيب بعضها إلى بعض بموالاة حرف حرف، فتحصل في ألفاظ من حرفين أو حروف، فيستعملونها علامات أيضا لأشياء أخر. فتكون الحروف والألفاظ الأول علامات لمحسوسات يمكن أن يشار إليها ولمعقولات تستند إلى محسوسات يمكن أن يشار إليها، فإن كل معقول كلي له أشخاص غير أشخاص المعقول الآخر. فتحدث تصويتات كثيرة مختلفة، بعضها علامات لمحسوسات - وهي ألقاب - وبعضها دالة على معقولات كلية لها أشخاص محسوسة. وإنما يفهم من تصويت تصويت أنه دال على معقول معقول متى كان تردد تصويت واحد بعينه على شخص مشار إليه وعلى كل ما يشابهه في ذلك المعقول. ثم يستعمل أيضا تصويت آخر على شخص تحت معقول ما آخر وعلى كل ما يشابهه في ذلك المعقول.
الفصل الحادي والعشرون:
أصل لغة الأمة واكتمالها
(120) فهكذا تحدث أولا حروف تلك الأمة وألفاظها الكائنة عن تلك الحروف. ويكون ذلك أولا ممن اتفق منهم. فيتفق أن يستعمل الواحد منهم تصويتا أو لفظة في الدلالة على شيء ما عندما يخاطب غيره فيحفظ السامع ذلك، فيستعمل السامع ذلك بعينه عندما يخاطب المنشئ الأول لتلك اللفظة، ويكون السامع الأول قد احتذى بذلك فيقع به، فيكونان قد اصطلحا وتواطئا على تلك اللفظة، فيخاطبان بها غيرهما إلى أن تشيع عند جماعة.ثم كلما حدث في ضمير إنسان منهم شيء احتاج أن يفهمه غيره ممن يجاوره، اخترع تصويتا فدل صاحبه عليه وسمعه منه فيحفظ كل واحد منهما ذلك وجعلاه تصويتا دالا على ذلك الشيء. ولا يزال، يحدث التصويتات واحد بعد آخر ممن اتفق من أهل ذلك البلد، إلى أن يحدث من يدبر أمرهم ويضع بالإحداث ما يحتاجون إليه من التصويتات للأمور الباقية التي لم يتفق لها عندهم تصويتات دالة عليها. فيكون هو واضع لسان تلك الأمة. فلا يزال منذ أول ذلك يدبر أمرهم إلى أن توضع الألفاظ لكل ما يحتاجون إليه في ضرورية أمرهم.
(121) ويكون ذلك أولا لما عرفوه ببادئ الرأي المشترك وما يحس من الأمور التي هي محسوسات مشتركة من الأمور النظرية مثل السماء والكواكب والأرض ومافيها، ثم لما استنبطوه عنه، ثم من بعد ذلك للأفعال الكائنة عن قواهم التي هي لهم بالفطرة، ثم للملكات الحاصلة عن اعتياد تلك الأفعال نت أخلاق أو صنائع للأفعال الكائنة عنها بعد أن حصلت ملكات عن اعتيادهم، ثممن بعد ذلك لما تحصل لهم معرفته بالتجربة أولا ولما يستنبط عما حصلت معرفته بالتجربة من الأمور المشتركة لهم أجمعين، ثم من بعد ذلك للأشياء التي تخص صناعة صناعة من الصنائع العملية من الآلات وغيرها، ثم لما يستخرج ويوجد بصناعة صناعة، إلى أن يؤتى على ما تحتاج إليه تلك الأمة.
(122) فإن كانت فطر تلك الأمة على اعتدال وكانت أمة مائلة إلى الذكاء والعلم طلبوا بفطرهم من غير أن يعتمدوا في تلك الألفاظ التي تجعل دالة على المعاني محاكاة المعاني وأن يجعلوها أقرب شبها بالمعاني والموجود، ونهضت أنفسهم بفطرها لأن تتحرى في تلك الألفاظ أن تنتظم بحسب انتظام المعاني على أكثر ما تتأتى لها في الألفاظ، فيجتهد في أن تعرب أحوالها الشبه من أحوال المعاني. فإن لم يفعل ذلك من اتفق منهم فعل ذلك مدبروا أمورهم في ألفاظهم التي يشرعونها.
পৃষ্ঠা ৩৮