الفصل العشرون: حدوث حروف الأمة وألفاظها (114) وبين أن العوام والجمهور هم أسبق في الزمان من الخواص. والمعارف المشتركة التي هي بادئ رأي الجميع في الزمان من الصنائع العملية ومن المعارف التي تخص صناعة صناعة منها، وهذه جميعا هي المعارف العامية. وأول ما يحدثون ويكونون هؤلاء. فإنهم يكونون في مسكن وبلد محدود، ويفطرون على صور وخلق في أبدانهم محدودة، وتكون أبدانهم على كيفية وأمزجة محدودة، وتكون أنفسهم معدة ومسددة نحو معارف وتصورات وتخيلات بمقادير محدودة في الكمية والكيفية - فتكون هذه أسهل عليهم من غيرها - ، وأن تنفعل انفعالات على أنحاء ومقادير محدودة الكيفية والكمية - وتكون هذه أسهل عليها - ، وتكون أعضائهم معدة لأن تكون حركتها إلى جهات ما وعلى أنحاء أسهل عليها من حركتها إلى جهات أخر وعلى أنحاء أخر.
(115) والإنسان إذا خلا من أول ما يفطر ينهض ويتحرك نحو الشيء الذي تكون حركته إليه أسهل عليه بالفطرة وعلى النوع الذي تكون به حركته أسهل عليه، فتنهض نفسه إلى أن يعلم أو يفكر أو يتصور أو يتخيل أو يتعقل كل ما كان استعداده له بالفطرة أشد وأ كثر - فإن هذا هو الأسهل عليه - ويحرك جسمه وأعضاءه إلى حيث تحركه وعلى النوع الذي استعداده بالفطرة له أشد وأ كثر وأ كمل - فإن هذا أيضا هو الأسهل عليه. وأول ما يفعل شيئامن ذلك يفعل بقوة فيه بالفطرة وبملكة طبيعية، لا باعتياد له سابق قبل ذلك ولا بصناعة. وإذا كرر فعل شيء من نوع واحد مرارا كثيرة حدثت له ملكة اعتيادية، إما خلقية أو صناعية.
(116) وإذا احتاج أن يعرف غيره ما في ضميره أو مقصوده استعمل الإشارة أولا في الدلالة على ما كان يريد ممن يلتمس تفهيمه إذا كان من يلتمس تفهيمه بحيث يبصر إشارته، ثم استعمل بعد ذلك التصويت. وأول التصويتات النداء - فإنه بهذا ينتبه من يلتمس تفهيمه أنه هو المقصود بالتفهيم لا سواه - وذلك حين ما يقتصر في الدلالة على ما ضميره بالإشارة إلى المحسوسات. ثم من بعد ذلك يستعمل تصويتات مختلفة يدل بواحد واحد منها على اوحد واحد مما يدل عليه بالإشارة إليه وإلى محسوساته، فيجعل لكل مشار إليه محدود تصويتا ما محدودا لا يستعمل ذلك التصويت في غيره، وكل واحد من كل واحد كذلك.
(117) وظاهر أن تلك التصويتات إنما تكون من القرع بهواء النفس بجزء أو أجزاء من حلقه أو بشيء من أجزاء ما فيه وباطن أنفه أو شفتيه، فإن هذه هي الأعضاء المقروعة بهواء النفس. والقارع أولا هي القوة التي تسرب هواء النفس من الرئة وتجويف الحلق أولا فأولا إلى طرف الحلق الذي يلي الفم والأنف وإلى ما بين الشفتين، ثم اللسان يتلقى ذلك الهواء فيضعطه إلى جزء جزء من أجزاء باطن الفم وإلى جزء جزء من أجزاء أصول الأسنان وإلى الأسنان، فيقرع به ذلك الجزء فيحدث من كل جزء يضغطه اللسان عليه ويقرعه به تصويت محدود، وينقله اللسان بالهواء من جزء إلى جزء من أجزاء أصل الفم فتحدث تصويتات متوالية كثيرة محدودة.
(118) وظاهر أن اللسان إنما يتحرك أولا إلى الجزء الذي حركته إليه أسهل. فالذين هم في مسكن واحد وعلى خلق في أعضائهم متقاربة، تكون ألسنتهم مفطورة على أن تكون أنواع حركاتها إلى أجزاء أجزاءمن داخل الفم أنواعا واحدة بأعيانها، وتكون تلك أسهل عليها من حركاتها إلى أجزاء أجزاء أخر . ويكون أهل مسكن وبلد آخر، أذا كانت أعضاؤهم على خلق وأمزجة مخالفة لخلق أعضاء أولئك، مفطورين على أن تكون حركة ألسنتهم إلى أجزاء أجزء من داخل الفم أسهل عليهم من حركتها إلى الأجزاء التي كانت ألسنة أهل المسكن الآخر تتحرك إليها، فتخالف حينئذ التصويتات التي يجعلونها علامات يدل بها بضعهم بعضا على ما في ضميره مما كان يشير إليه وإلى محسوسه أولا. ويكون ذلك هو السبب الأول في اختلاف ألسنة الأمم. فإن تلك التصويتات الأول هي الحروف المعجمة.
পৃষ্ঠা ৩৭