(111) والملة إذ كانت إنما تعلم الأشياء النظرية بالتخييل والإقناع، ولم يكن يعرف التابعون لها من طرق التعليم غير هذين، فظاهر أن صناعة الكلام التابعة للملة لا تشعر بغير الأشياء المقنعة ولا تصحح شيئا منها إلا بطرق وأقاويل إقناعية، ولا سيما إذا قصد إلى تصحيح مثالات الحق على أنها هي الحق. والإقناع إنما يكون بالمقدمات التي هي في بادئ الرأي مؤثرة ومشهورة، وبالضمائر والتمثيلات، وبالجملة بطرق خطبية، كانت أقاويل أو كانت أموراخارجة عنها. فالمتكلم إذن يقتصر في الأشياء النظرية التي يصححها على ما هو في بادئ الرأي مشترك. فهو يشاركالجمهور في هذا. لكنه ربما يتعقب بادئ الرأي أيضا، لكنه إنما يتعقب بادئ الرأي بشيء آخر هو أيضا بادئ الرأي. وأقصى ما يبلغ من التوثيق أن يجعل الرأي في نقضه جدليا. فهو بهذا يفارق الجمهور بعض المفارقة. وأيضا فإنه إنما يجعل غرضه في حياته ما يستفاد بها. فهو أيضا يفارق الجمهور بهذا. وأيضا فإنه لما كان خادما للملة، وكانت الملة منزلتها من الفلسفة تلك المنزلة، صار الكلام نسبته إلى الفلسفة أيضا على أنها بوجه ما خادمة لها أيضا بتوسط الملة، إذ كانت إنما تنصر وتلتمس تصحيح ماقد صحح أولا في الفلسفة بالبراهين بما هو مشهور في بادئ الرأي عند الجميع ليحصل التعليم مشتركا للجميع. ففارق الجمهور بهذا أيضا. فلذلك ظن به أنه من الخاصة لا من الجمهور. وينبغي أن يعلم أنه أيضا من الخاصة، لكن بالإضافة إلى أهل تلك الملة فقط، والفيلسوف خاصيته بالإضافة إلى جميع الناس وإلى الأمم.
(112) والفقيه يتشبه بالمتعقل. وإنما يختلفان في مبادئ الرأي التي يستعملانها في استنباط الرأي الصواب في العملية الجزئية. وذلك أن الفقيه إنا يستعمل المبادئ مقدمات مأخوذة منقولة عن واضع الملة في العملية الجزئية، والمتعقل يستعمل المبادئ مقدمات مشهورة عند الجميع ومقدمات حصلت له بالتجربة. فلذلك صار الفقيه من الخواص بالإضافة إلى ملة ما محدودة والمتعقل من الخاصة بالإضافة إلى الجميع.
(113) فالخواص على الإطلاق إذن هم الفلاسفة الذين هم فلاسفة بإطلاق. وسائر من يعد من الخواص إنما يعد منهم لأن فيهم شبها من الفلاسفة. من ذلك أن كل من قلد أو تقلد رئاسة مدنية أو كان يصلح لأن يتقلدها أو كان معدا لأن يتقلدها يجعل نفسه من الخواص، إذ كان فيه شبه ما من الفلسفة، إذ كان أحد أجزائها الصناعة الرئيسة العملية. ومن ذلك أن الحاذق من أهل كل صناعة عملية يجعل نفسه من الخواص لكونه أنه قد استقصى تعقيب ما هو عند أهل الصناعة مأخوذ على الظاهر. وليس الحاذق من أهل كل صناعة يسمينفسه بهذا الاسم فقط، لكن أهل صناعة عملية ربما سموا أنفسهم خواص بالإضافة إلى من ليس هو من أهل تلك الصناعة، إذ كان إنما يتكلم وينظر في صناعته بالأشياء التي تخص صناعته، ومن سواه إنما يتكلم وينظر فيها ببادئ الرأي وما هو مشترك عند الجميع في الصنائع كلها. وأيضا فإن الأطباء يسمون أنفسهم أيضا من الخواص إما لأنهم كانوا يتقلدون تدبير المرضى المدنفين، وإما لأن صناعتهم تشارك العلم الطبيعي من الفلسفة، وإما لأنهم يحتاجون إلى أن يستقصوا تعقيب ما هو في صناعتهم من بادئ الرأي أكثر من سائر الصناعات للخطر والضرر الذي لا يؤمن على الناس من أقل خطأ يكون منهم، وإما لأن صناعة الطب تستخدم صنائع كثيرة من الصنائع العملية مثل صناعة الطبخ والحرد وبالجملة الصنائع النافعة في صحة الإنسان. ففي جميع هذه شبه من الفلسفة بوجه ما. وليس ينبغي أن يسمى أحد من هؤلاء خواص إلا على جهة الاستعارة، ويجعل الخواص أولا وفي الجودة على الإطلاق الفلاسفة، ثم الجدليون والسوفسطائيون، ثم واضعوا النواميس، ثم المتكلمون والفقهاء. والعوام والجمهور أولئك الذين حددناهم، كان فيهم من تقلد رئاسة مدنية أو كان يصلح أن يقلدها أم لا.
পৃষ্ঠা ৩৬