فإذا طاحت على بعض بلاد الإسلام طوائح أو اجتاحتها بعض الجوائح فصاح صائح الغياث أو دعا داعي الإصلاح إن هبوا يا قوم وتداركوا بلادكم أجاب لسان حالهم قائلا (( نحن امرنا بالرضا بقضاء الله وقدره فنحن راضون بكل ذلك لانه قضاء منه تعالى ولا راد لقضائه )) وقد غاب عن هؤلاء إن الإيمان حقا بالقضاء والقدر ليس هو ما فهموه غلطا من الاستسلام والخضوع والخنوع للظلم فان هذا حمل للشيء على غير محله وتأويله على غير معناه القصد منه أعذار النفس في إخلادها للراحة والسكون والانكباب على اللذائذ والشهوات وإلا فان الإيمان بالقضاء والقدر على عكس ذلك يحمل على اقتحام الأهوال وخوض الغمرات بكل شجاعة وإقدام ما دام يتضمن اعتقاد أن الخير والشر كله من الله ويترك الباب مفتوحا لحسن الكسب والاختيار والذي يؤمن أن لا نفع إلا ما كتبه الله له ولا ضر إلا ما كتبه الله عليه لا يجلبه إقدامه ولا يرده عن أحجامه فمن أين يتسرب له الجبن والخوف ؟
لقد تسرب من العقيدة الفاسدة لكثير من الكتاب الغربيين غلط فاحش فظنوا انه ما انحط المسلون في القرن الأخير ولم يصيبهم ما أصابهم إلا لعقيدة القضاء والقدر لانهم يفهمونها كما فهمها أولئك من وجوب التواكل والاستسلام والخضوع والخنوع فوجهوا من هذه الثغرة مطاعنهم نحو الإسلام ووصموه بأنه دين الزهد والتواكل والخنوع لا دين السعي والعمل والعزة والسيادة . وقد اتخذوا تلك الحالة إلا سيفة من المسلمين حجة فنظروا إلى الإسلام من ناحية المسلمين لا من ناحية مبادئه وتعاليمه العالية . ونحن نقول لهؤلاء ما انحط المسلمون ولم يصلوا إلى هاته الدركة إلا لنبذهم تلك العقيدة الحقة وصدودهم عن العمل بمقتضاها ولو انهم أمنوا بها حقا وعملوا بما تتضمنها لما كان لكم عليهم من سبيل ولكن ضيعوا فضيعهم الله
((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))
পৃষ্ঠা ২৫