فنقول: أول ما يفعله العبد من الذنوب هو أحدثه، لم يحدثه الله، ثم ما يكون جزاء على ذلك فاللّه محدثه، وهم لا ينازعون في مسألة خلق الأفعال إلا من هذه الجهة.
وهذا الذي ذكرناه يوافقون عليه، لكن يقولون: أول الذنوب لم يحدثه الله، بل يحدثه العبد لئلا يكون الجزاء عليه ظلما.
وما ذكرناه يوجب أن الله خالق كل شيء، فما حدث شيء إلا بمشيئته وقدرته، لكن أول الذنوب الوجودية هو المخلوق، وذاك عقوبة على عدم فعل العبد لما خلق له، ولما كان ينبغي له أن يفعله.
وهذا العدم لا يجوز إضافته إلى الله، وليس بشيء حتى يدخل في قولنا: " الله خالق كل شيء "، وما أحدثه من الذنوب الوجودية، فأولها عقوبة للعبد على هذا العدم، وسائرها قد يكون عقوبة للعبد على ما وجد، وقد يكون عقوبة له على استمراره على العدم.
فما دام لا يخلص لله العمل، فلا يزال مشركا، ولا يزال الشيطان مسلطا عليه.
ثم تخصيصه سبحانه لمن هداه بأن استعمله ابتداء فيما خلق له، وهذا لم يستعمله هو تخصيص منه بفضله ورحمته؛ ولهذا يقول الله: ﴿وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥]، ولذلك حكمة ورحمة هو أعلم بها، كما خص بعض الأبدان بقوى لا توجد في غيرها، وبسبب عدم القوة قد تحصل له أمراض وجودية، وغير ذلك، من حكمته.
وبتحقيق هذا يدفع شبهات هذا الباب، والله أعلم بالصواب.
1 / 96