أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٨ ١٠] .
وهذا وأمثاله بذلوا فيه أعمالا، عاقبهم بها على فعل محظور، وترك مأمور.
وتلك الأمور إنما كانت منهم وخلقت فيهم؛ لكونهم لم يفعلوا ما خلقوا له، ولابد لهم من حركة وإرادة، فلما لم يتحركوا بالحسنات حركوا بالسيئات، عدلا من الله، حيث وضع ذلك موضعه في محله القابل له وهو القلب الذي لا يكون إلا عاملا فإذا لم يعمل الحسنة استعمل في عمل السيئة، كما قيل: نفسك إن لم تشغلها شغلتك.
وهذا الوجه إذا حقق يقطع مادة كلام القدرية المكذبة، والمجبرة الذين يقولون: إن أفعال العباد ليست مخلوقة لله، ويجعلون خلقها والتعذيب عليها ظلمًا، والذين يقولون: إنه خلق كفر الكافرين ومعصيتهم، وعاقبهم على ذلك لا لسبب ولا لحكمة.
فإذا قيل لأولئك: إنه إنما أوقعهم في تلك الذنوب، وطبع على قلوبهم عقوبة لهم على عدم فعلهم ما أمرهم به، فما ظلمهم، ولكن هم ظلموا أنفسهم.
يقال: ظلمته: إذا نقصته حقه، قال تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] .
وكثير من أولئك يسلمون أن الله خلق للعبد من الأعمال ما يكون جزاء له على عمل منه متقدم، ويقولون: إنه خلق طاعة المطيع.
فلا ينازعون في نفس خلق أفعال العباد، لكن يقولون: ما خلق شيئًا من الذنوب ابتداء، بل إنما خلقها جزاء لئلا يكون ظالمًا
1 / 95