فى المبادئ وما هى: ١ — أما ثاليس الملطى فانه قال إن الماء أول الموجودات. وقد يظن أن هذا الرجل أول من ابتدأ بالفلسفة، وبه سميت فرقة اليونانيين. فقد كان للفلسفة انتقال كثير، وهذا الرجل تفلسف بمصر، وصار إلى ملطية، وهو شيخ. ٢ — وهو يرى أن الكون كله من الماء، وينحل إلى الماء. ودعا〈ه〉 إلى أن توهم هذا أنه وجد مبدأ جميع الحيوان من الجوهر الرطب الذى هو المنى، فأوجب أن مبدأ جميع الأشياء من رطوبة. ٣ — ودليل ثان أيضا أنه وجد النبات بالرطوبة يغتذى ويثمر، وإنه إن عدمت الرطوبة جفت وبطلت. ودليل ثالث أن النار نفسها، أعنى حرارة الشمس والكواكب، تغتذى ببخار المياه، وكذلك العالم بأسره. وقد يرى أمرس الشاعر هذا الرأى إذ يقول إن: «أوقا آنوس كأنه عمل مولدا للكل». ٤ — وأما أنكسمندرس الملطى فانه يرى أن مبدأ الموجودات هو الذى لا نهاية له، وأن منه كان كل الكون وإليه ينتهى الكل. ولذلك يرى أنه تكون عوالم بلا نهاية، وتفسد فترجع إلى الشىء الذى عنه كان. ويقول إنه بلا نهاية، لئلا يلزم نقصان، ويكون دائما. ٥ — وقد أخطأ هذا الرجل من قبل أنه: ما هذا الذى لا نهاية له؟ هل هو هواء أو ماء أو أرض أو جسم آخر؟ وقد أخطأ أيضا من قبل أنه أوجب عنصرا يغفل العلة الفاعلة، وذلك أن الذى لا نهاية له ليس هو شىء غير العنصر، والعنصر لا يمكن أن يكون بالفعل إن لم تكون العلة الفاعلة موجودة. ٦ — وأما أنقسمانس الملطى فانه يرى أن مبدأ الموجودات هو الهواء، وأن منه كان الكل، وإليه ينحل. مثل النفس التى فينا، فان الهواء هو الذى يحفظها فينا. والروح ينبث فى العالم كله. — الروح والهواء يقالان على معنى واحد قولا متواطئا. ٧ — وهذا الرجل أيضا قد أخطأ إذ توهم أن يكون الحيوان من شىء بسيط ذى صورة واحدة وهو الروح والهواء. وذلك أنه غير ممكن أن المبدأ 〈يكون〉 عنصرا فقط أو يكون شيئا واحدا. لكن قد يحتاج إلى أن توضع معه العلة الفاعلة: مثل الفضة، فانه لا يكتفى بها وحدها فى أن تكون منها مشربة إن لم يكن معها الفاعل أعنى الصانع. وكذلك فى النحاس والخشب والعناصر الأخرى. ٨ — وأما أنقساغورس [و]لا زومانيوس فانه يرى أن مبدأ الموجودات هو المتشابه الأجزاء؛ وأن من الأشياء الممتنعة أو التى فيها إشكال أن يكون شىء من 〈لا〉 شىء ويتبدد شىء إلى 〈لا〉 شىء؛ وأنا نغتذى نحن الغذاء البسيط 〈الصحى〉 من الحنطة وشرب الماء القراح؛ ومن هذا الغذاء يتغذى الشعر والعروق والشريانات والأعصاب 〈والعظام〉 وباقى الأعضاء. ٩ — وإذا كان هذا هكذا، فقد يجب أن نسلم أن الكائنات إنما تكون بالغذاء الذى يغتذى به فى هذه الكائنات ويكون النماء. فيكون من الغذاء أجزاء مولدة للدم ومولدة للعرق والعظام والأجزاء الأخر التى تدرك عقلا. وليس ينبغى أن يطلب إدراك جميع الأشياء الحس، لكن نعلم أن من الأجزاء ما يدرك عقلا. ١٠ — من أجل أن أجزاء هذه الأعضاء المكونة عن الغذاء متشابهة الأجزاء، وجعلها مبادئ الموجودات، فتصير المتشابهات الأجزاء عنصرا. وجعل العلة الفاعلة، العقل المدبر للكل؛ وهو المبدأ لجميع الأشياء والمدبر لها. 〈١١ — وقد بدأ بأن قال هكذا: «كانت الأشياء كلها مختلطة: فجاء العقل وقسمها ورتبها»〉. وينبغى أن تقبل منه قوله، لأنه قد جمع إلى العنصر العلة الفاعلة. ١٢ — وأما أرسلاوس بن أبولودرس من أهل أثينه، فذكر أن مبدأ العالم هو ما لا نهاية له، ويعرض فيه التكاثف والتخلخل، فمنه ما يصير نارا، ومنه ما يصير ماء. ١٣ — وهؤلاء الفلاسفة بعضهم كان تاليا لبعض، وبهم استكملت فلسفة اليونانيين التى كان مبدؤها ومنشؤها من الرجل الذى كان كان يقال له ثاليس. ١٤ — وللفلسفة أيضا مبدأ آخر وهو من بوثاغورس بن منسارخس من أهل ساميا، وهو أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم. وكان يرى أن المبادئ هى الأعداد والمعادلات، وكان يسميها تأليفات ويسمى المركب من جملة ذلك استقصات، ويسميها أيضا هندسات. ١٥ — وكان يحمل الواحدة، والثانية التى لا حد لها، فى المبادئ؛ ويرى أن أحد هذه المبادئ هى العلة الفاعلة الخاصية وهى الله عز وجل والعقل؛ والآخر هو العنصر القابل للانفعال وعنه كان العالم المدرك بحس البصر. ١٦ — وأن طبيعة العدد تنتهى إلى العشرة . وذلك أن كل اليونانيين وكل الأعاجم ينتهى عددهم إلى العشرة. وإذا صاروا إليها رجعوا إلى الواحدة. ويقول أيضا: ١٧ — إن العشرة بالقوة هى أيضا فى الأربعة وفى الروابع. والعلة فى ذلك أنه إذا اجتمعت الأعداد من الواحد إلى الأربعة استكمل عدد العشرة. فانه إن جمع الواحد والاثنان ثم زيد على ذلك ثلاثة وعلى جميع من ذلك أربعة استكملت العشرة. وكأن العدد: أما من الواحد فانه فى العشرة، وأما من طريق 〈القوة〉 فانه فى الأربعة. ١٨ — ولذلك كان البوثاغوريون يقولون إن فى الأربعة قسما عظيما ويأتون فى ذلك بشاهد من الشعر إذ يقول الشاعر: «لا وحق الرباعية التى تربى أنفسنا التى هى أصل كل الطبيعة التى تسيل دائما». ١٩ — كذلك النفس التى فينا مركبة من أربعة أشياء: وهى العقل، والعلم، والرأى، والحواس؛ ومنها تكون كل صناعة ومهنة، وبها كنا نحن أنفسنا، ٢٠ — والعقل هو الواحدة: وذلك أن العقل إنما يريد وحده. فانه وإن كان الناس كثيرا وهم فى نواح مختلفة ويكادون أن يكذبوا، فقد نعلم أنا نعقلهم إنسانا واحدا وفرسا واحدا، وإن كان الأفراس الجزئية لا نهاية لها. ٢١ — وهذه الأنواع كلها والأجناس كل نوع منها شىء واحد، وكذلك يكون لكل واحد منها حد يعينه، وهو أن يقال: حى صهال أو حى ناطق. ٢٢ — فلذلك جعل العقل الوحدة التى بها يعقل. فأما الثانية التى ليست محدودة فنحو ما جعلت العلم، وذلك أن كل برهان وكل إقناع 〈فمنه〉 ومع ذلك كل جامعة فإنما تجمع الشىء من الأشياء المعروف بها الشىء المختلف فيه، فيكون إذن العمل شيئا آخر بينا هو، ويدرك بتلك الأشياء. ٢٣ — وكذلك جعلت الثانية هى العلم. وإنما الرأى الثلاثية لأن الرأى لجماعة والثلاثة هى جماعة، كما قال الشاعر: يأيها الحنفاء المثلثون بالغبطة. 〈ولذا فان فيثاغورس لم يحتفل للثلاثية. ٢٤ — وفرقتهم سميت إيطاليقى، لأن فوثاغورس كان مقيما بايطالية، لأنه انتقل من سامس التى كانت موطنه لسبب تغلب بولوقراطيس المتغلب ( = المستبد) فانه لم يرض بذلك منه〉. ٢٥ — وأما يراقليطس وأباسس الذى ينسب إلى مطابنطيس، فذكرا أن مبدأ الأشياء كلها من نار وانتهاءها إلى النار؛ وإذا انطفأ النار تشكل بها العالم. ٢٦ — وأول ذلك أن الغليظ منه إذا تكاثف واجتمع بعضه إلى بعض صار أرضا. وإذا تحللت الأرض وتفرقت أجزاؤها بالنار صار منها الماء طبعا. وأيضا فان العالم وكل الأجسام التى فيه تحللها وتنيرها بالنار إذ هى المبدأ. ٢٧ — لأن منها يكون الكل وإليها ينحل ويفسد. ٢٨ — وأما أبيقورس 〈بن〉 ناوقليس من أهل آثينية الذى تفلسف فى أيام ديمقريطيس، فانه كان يرى أن مبادئ الموجودات أجسام مدركة عقلا، لا خلاء فيها ولا كون لها، سرمدية غير فاسدة، ولا يحتمل أن تكسر ولا تهشم، ولا يعرض لها فى شىء من أجزائها اختلاف ولا استحالة. وهى مدركة عقلا. فهى تتحرك فى الخلاء [فالخلاء]، يزعمان هذا الخلاء لا نهاية له. ٢٩ — وكذلك الأجسام لها هذه الثلاثة: الشكل والثقل والعظم. وأما ديمقريطيس فانه كان لزمها شيئين فقط وهما العظم والشكل. وأما أبيقورس فانه كان يضم إلى هذين الشيئين شيئا ثالثا وهو الثقل، وذلك أنه كان يرى أن حركة الأجسام يجب اضطرارا بالثقل بما يحدث عن الثقل من القرع. فانه إن لم يكن ثقل لم يكن حركة. ٣٠ — وإن أشكال الأجسام التى ليست متجزئة متدركة وليست غير 〈متناهية〉 وليست [لا] صنارية ولا مشتبكة ولا متحدة بالتثليث، ولا فى صورة الشعر، لأن هذه الأجسام متصلة التفتت. وأما اللاتى لا تجزأ فانها لا تقبل الانفعال ولا التفتت ألبتة، لكن لها أشكال تخصها تدرك عقلا. ٣١ — وقيل إنها لا تتجزأ، لا من قبل أنها فى غاية الصغر، لكن من قبل أنها لا تقبل الانفعال، ولا فيها خلاء. وهو إذا قال لا تتجزأ: فإنما يعنى أنها غير منفعلة ولا منكسرة، ولا خلاء فيها. ٣٢ — فأما أن أشياء لا متجزئة، فذلك ظاهر مثل الحيوانات والأسطقسات والخلاء والوحدة. ٣٣ — وأما أنبادقليس بن ماذن من أهل أقراغنتا فانه يرى الأسطقسات أربعة: وهى النار والهواء والماء والأرض. وأن المبادئ مبدآن: وهما المحبة والغلبة: أحدهما يفعل الإيجاد والآخر يفعل التفرقة. ٣٤ — فانه قال بهذا اللفظ: إن أصول الأشياء كلها أربعة وهى: زواس الأسى، والأيرا الذى يعطى الحياة، وائيدونيوس وفسطس التى تبل بدموعها السيالة. ٣٥ — وهو يعنى بقوله: «زواس»: الحرارة والغليان؛ ويعنى بقوله «ايرا التى هى مسيلة بالحياة»، الأرض؛ ويعنى بقوله: «ايدون»: الهواء؛ ويعنى بقوله «نيسطس» 〈و〉«السيلان البشرى»، الروح الإنسانى والماء. ٣٦ — وأما سقراط بن سفرنسقس من أهل أثينية وأفلاطن بن أرسطو〈ن〉 فان رأيهما فى جميع الأشياء رأى واحد. وهما يريان المبادئ ثلاثة وهى: 〈الله والعنصر (الهيولى) والصورة. ٣٧ — والله〉 هو العقل؛ والعنصر هو الموضوع الأول للكون والفساد؛ والصورة جوهر، لا جسم له، فى التخييلات والأفكار المنسوبة إلى الله عز وجل: وأما العلة الأولى فهو عقل هذا العالم. ٣٨ — وأما أرسطاطاليس بن تقوماخس من أهل اسطاجرا فانه يرى أن المبادئ هى: الصورة، والعنصر، والعدم، والاستقصات الأربعة، وجسم خامس هو الأثير غير مستحيل. ٣٩ — وأما زينون بن مانساوس من أهل قيطس فانه كان يرى أن المبادئ هى الله عز وجل، وهو العلة الفاعلة؛ والعنصر وهو المنفعل. وأن الأسطقسات أربعة. [وفرقتهم سميت إيطاليقى لأن فوثاغورس كان مقيما بايطالية لأنه انتقل من سامس التى كانت موطنه لسبب تغلب بولوقراطيس المتغلب فانه لم يرض بذلك منه].
[chapter 5: I 4]
كيف قوام العالم: ١ — إن قوام العالم فى شكله كان على هذه الجهة: لما كانت حركة الأجساد التى لا تتجزأ غير مدبرة وعلى ما يخرج من الاتفاق، وكانت حركتها حركة سريعة متصلة إلى شىء واحد، فاجتمع أجسام ما كثيرة فى موضع واحد، وصار لها أشكال ومقادير مختلفة. ٢ — ولما اجتمع بعضها إلى بعض، 〈فان ما كان منها كبيرا ثقيلا سقط إلى أسفل و〉 ما كان منها صغيرا مقوسا أملس سريع التقلب عند اجتماعها فارتفع إلى فوق. ٣ — ولما ضعفت القوة الجاذبة إلى فوق، وكانت هذه الأجسام بمبلغ من الانحدار إلى أسفل، اجتمعت إلى المواضع التى تتهيأ لها أن تقبلها. وهذه المواضع هى التى فى الجوانب المستديرة، فاستدارت جملة الأجسام، وانعطف بعضها إلى بعض، فكان من ذلك جرم السماء. ٤ — والأجرام التى لا تتجزأ لما كانت من هذه الطبيعة وكان فيها اختلاف كثير، حدث عنها طبيعة الكواكب، وذلك عند ارتفاعها إلى فوق واشتمال بعضها لبعض. وكان بخار الأجرام التى تتجزأ يفرغ الهواء ويعصره، فيحدث عنه روح بالحركة، واشتمل على الكواكب فأدارها وحفظ دورانها فى العلو على صورته. ٥ — ثم من بعد ذلك تكورت الأرض من الأجزاء التى رسبت، فصار السماء والنار والهواء من الأجزاء التى ارتفعت. ٦ — ولما اجتمع كثير فى الأرض والتف بعضها ببعض وتكاثفت بالقرع الذى ينالها من الهواء وشعاعات الكواكب انعصرت منها الأجزاء اللطيفة وتولدت عنها الطبيعة الرطبة سيالة — انتصبت إلى المواضع المقعرات من الأرض التى يمكنها أن تحتوى على الماء وأن تصير على ثباته فيها. والماء أيضا بثباته فيه زاد فى تقعرها وبقية المواضع التى تحتها. وعلى هذه الجهة كان كون أعظم أجزاء العالم.
পৃষ্ঠা ১০৫