جرت العادة بأنها لا تطلب إلا من الله تعالى لئلا تحصل المساواة بين الله تعالى وخلقه بحسب الظاهر وإن كان الطلب من الله على أنه الموجد للشئ والمؤثر فيه ومن غيره على أنه سبب عادي لكنه ربما يوهم التأثير فالمنع من ذلك الطلب لدفع هذا الايهام والجواب أن هذا لا يقتضي المنع من التوسل مطلقا ولا يقتضي منع الطلب من موحد فإنه يحمل على المجاز العقلي إذا صدر من موحد فلا وجه لكونه شركا ولا لكونه محرما فلو قالوا إن ذلك خلاف الأدب وجازوا التوسل وشرطوا فيه أن يكون بأدب والاحتراز عن الألفاظ الموهمة لكان له وجه وأما المنع مطلقا فلا وجه له قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التشفع أو الاستغاثة أو التوجه لأن التوجه من الجاه وهو علو المنزلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى منه جاها والاستغاثة معناها طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلى منه فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين إلا طلب الغوث حقيقة من الله تعالى ومجازا بالتسبب العادي من غيره ولا يقصد أحد من المسلمين غير ذلك المعنى فمن لم ينشرح لذلك صدره فليبك على نفسه نسأل الله العافية فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى وأما النبي صلى الله عليه وسلم فهو واسطة بينه وبين المستغيث فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة والغوث منه بالخلق والإيجاد والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث به مجازا والغوث منه بالكسب والتسبب العادي باعتبار توجهه وتشفعه عند الله لعلو منزلته وقدره فهو على حد قوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أي وما رميت خلقا وإيجاد إذ رميت تسببا وكسبا ولن الله رمى خلقا وإيجادا وكذا قوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقوله صلى الله عليه وسلم ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم وكثيرا ما تجئ السنة لبيان الحقيقة ويجئ القرآن الكريم بإضافة الفعل لمكتسبه ويسند إليه مجازا كقوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وقوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم الجنة بعمله فالآية بيان المسبب العادي والحديث لبيان سبب فعل
পৃষ্ঠা ১৬