حتى القصعة والقصيعة (ثم عرضهم) أي المسميات بتذكير الضمير تغليبا للعقلاء المذكرين، والعرض إظهار الشيء للغير ليعرف العارض منه حاله (على الملائكة) ليظهر فضل آدم وقصورهم (فقال أنبئوني) أي أخبروني (بأسماء هؤلاء) المخلوقات (إن كنتم صادقين) [31] أني لا أخلق أكرم منكم، وفيه دليل على فضل العلم، إذ لو كان في الوجود شيء أشرف من العلم لكان الواجب إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم، ودليل أيضا على أن الأنبياء أفضل من الملائكة.
[سورة البقرة (2): آية 32]
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)
فثم أظهروا عجزهم بأن (قالوا سبحانك) أي ننزهك تنزيها عن كل ما لا يليق بعظمتك، نصب على المصدر اللازم الإضافة (لا علم لنا) بشيء (إلا ما علمتنا) أي علم ما ألهمتنا به ، يعني تبنا إليك من مقالتنا (إنك أنت العليم) بكل شيء (الحكيم) [32] في أمرك وصنعك بجعل خليفة في الأرض بدلا منا لحكمة تعلمها، و«الحكيم» «1»: هو الذي يفعل ويحكم على وفق علمه، وأصل الحكمة المنع، ومنه حكمة الدابة، ولما لم يجيبوا عما سأله الله لعجزهم.
[سورة البقرة (2): آية 33]
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)
(قال يا آدم أنبئهم) أي أخبرهم (بأسمائهم) أي بأسماء الموجودات، (فلما أنبأهم) أي أخبرهم (بأسمائهم) وأخبرهم عن منافعها وما يحل الأكل وما يحرم منها (قال) الله تعالى تقريرا لعلمه الأزلي (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) أي سرهما وسر أهلهما وكل ما فيهما (وأعلم ما تبدون) أي الذي تظهرون «2» فيما بينكم حين قال إبليس لكم ما ذا ترون إن أمرتم بطاعة آدم، فقلتم نطيع أمر ربنا (وما كنتم تكتمون) [33] أي الذي تسرون، وهو الذي أسر إبليس في نفسه من قوله: لئن فضلت عليه لأهلكنه ولئن فضل علي لأعصينه.
[سورة البقرة (2): آية 34]
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)
(وإذ قلنا) أي اذكر لهم وقت قولنا (للملائكة) أي لجميع الحاضرين منهم (اسجدوا) أي خروا (لآدم) أي إليه، لأن السجود لله حقيقة للعباد، ولآدم تكرمة ظاهرا كالصلوة إلى الكعبة، والسجود الميل في اللغة، قيل:
لم يكن ثمه وضع الجبهة على الأرض، إنما كان مجرد الانحناء «3»، وقيل «4»: أنه تعالى أمر جبريل أن يجمع التراب ليخلق آدم، فنزل على الأرض ليقبض التراب منها فقالت بحق الله عليك أن لا تفعل، فاني أخاف وأستحيي من ربي أن يعصي علي، فرجع جبريل وأخبر بذلك ربه، فبعث ميكائيل فتضرعت مثل ذلك، ثم بعث إسرافيل فتضرعت كذلك، ثم بعث عزرائيل فتضرعت إليه فقال أمر الله أولى من قولك، فجمع التراب من وجه الأرض من كل لون ومن الطيبة والسبخة، ثم صعد إلى السماء، فقال الله لعزرائيل: أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك؟ فقال: رأيت أمرك أوجب من قولها، فقال: أنت أصلح لقبض أرواح ولد آدم، فصار ذلك التراب طينا، ثم صار صلصالا أربعين سنة «5»، فلما سواه ونفخ فيه الروح أمر الملائكة أن يسجدوا له
পৃষ্ঠা ৪১