[سورة البقرة (2): آية 30]
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)
ثم أمر النبي عليه السلام بأن يذكر لكفار مكة قصة الملائكة وما جرى بينهم لأجل خلق آدم ليتذكروا بها، فان عادة الأنبياء عليهم السلام التذكير لأممهم فقال (وإذ) مفعول اذكر مقدرة، أي اذكر لهم وأخبرهم وقت (قال ربك) على سبيل المشاورة تعليما لعباده أن يشاوروا في أمروهم قبل الإقدام عليها (للملائكة) جمع ملأك، فأسقط الهمزة للتخفيف من الألوكة، وهي الرسالة سموا بها، لأنهم رسل الله، قيل: المراد بعض الملائكة وهم سكان الأرض «1»، روي: أنه تعالى لما خلق الأرض وخلق الجان من لهب نار لا دخان لها بين السماء والأرض، والصواعق تكون تنزل منها وهو أبو الجن كآدم أبو البشر خلقهم منه وأسكنهم فيها فكثروا وعملوا في الأرض بالمعاصي وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم ملائكة من سماء الدنيا «2» مع إبليس وجعله حاكما عليهم فطردوهم وأخرجوهم من الأرض إلى جزائر البحور ورؤوس الجبال فسكن الملائكة فيها بأمره تعالى فصار الأمر عليهم أخف مما كانوا في السماء فاطمأنوا إليها فأراد الله أن يحولهم عنها، لأن عادة الله أن يأمر بالتحول كل من اطمأن إلى الدنيا «3» فأخبرهم بقوله (إني جاعل في الأرض خليفة) أي من يخلفكم بدلا منكم ورافعكم إلي، فشق عليهم ذلك وكرهوه لما كان الأمر عليهم أخف في الأرض أو «4» المراد بالخليفة آدم، لأنه خلف الملائكة الجن «5»، وجاء بعدهم أو لأنه خليفة الله في أرضه لتنفيذ أحكامه بين أولاده، واستغني بذكره عن ذكر بنيه، وإنما أخبرهم بذلك ليسألوا عنه ويعرفوا حكمته قبل اعتراضهم الشبهة لهم في وقت الاستخلاف، لأنه سبب الهلاك (قالوا) استعظاما له وطلبا لحكمته أو قالوا تعجبا من الاستخلاف المخالف للحكمة ظاهرا «6»، إذ الحكيم لا يفعل إلا الخير بعد أن علموا «7» بالهام من الله تعالى أو من جهة اللوح أن الذين يخلفونهم «8» يعصون أمره كعصيان «9» الجن إياه (أتجعل فيها) أي أتخلق في الأرض (من يفسد فيها) أي في الأرض «10» كما أفسدت الجن (ويسفك) أي يصب (الدماء) ظلما كما يسفك بنو آدم (ونحن نسبح بحمدك) أي والحال أنا نقول سبحان الله وبحمده، والتسبيح التنزيه عن السوء أو نحن نصلي بأمرك حامدين لك، فالتسبيح الصلوة، و«بحمدك» حال.
(ونقدس لك) أي نثني لك بالطهارة عما لا يليق بك أو نطهر أنفسنا لعبادتك عن المعصية (قال) الله (إني أعلم ما لا تعلمون) [30] من الحكمة والمصلحة باستخلاف آدم، قيل: «علم من إبليس المعصية والبعد عن رحمته، ومن آدم الطاعة والتقرب إليه ومن ذريته الطائع والعاصي» «11»، فيظهر الفضل والعدل من الله، ثم قال الملائكة فيما بينهم ليخلق الله ما يشاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا وإن فعل فنحن أعلم منه، لأنا قبله وعلمنا ما لم يعلم، فبالعلم افتخروا، فبين الله عجزهم بأن خلق جميع المسميات.
[سورة البقرة (2): آية 31]
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31)
(وعلم آدم) من أديم الأرض، وهو وجهها أو من الأدمة وهي السمرة، أي ألهمه (الأسماء) أي أسماء المسميات بحذف المضاف إليه وتعويض اللام منه، لا بحذف المضاف من مسميات الأسماء، لأن التعليم يتعلق بالأسماء لا بالمسميات، وهي الأجناس من الإنس والجن والدواب وغيرها، فعلمه إياها (كلها) بكل اللغات
পৃষ্ঠা ৪০