لأنه دعوى الشيء ببينة «1»، والواو في (وكنتم أمواتا) للحال، أي والحال أنكم عالمون بأنكم كنتم نطفا بلا روح في أصلاب آبائكم، وقد يطلق لعادم الحيوة ميت كقوله «بلدة ميتا» «2»، ولما كان الاحياء عقيب الموت بغير تراخ أورد الفاء في (فأحياكم) في أرحام أمهاتكم ثم في دنياكم، وهذا إلزام لهم بالبعث (ثم يميتكم) عند انقضاء آجالكم (ثم يحييكم) للبعث يوم القيامة (ثم إليه) أي إلى الله (ترجعون) [28] في الآخرة، يعني تصيرون إلى إرادته ومشيته تعالى، فتجزون بأعمالكم لا أنه في جهة فترجعون إليها لكونه مستحيلا عليه، وعلم «3» ذلك حاصل لكم بالدلائل الموصلة إليه، فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه، وإنما أورد «ثم» في المواضع «4» الثلثة لتصور التراخي فيها.
[سورة البقرة (2): آية 29]
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم (29)
فلما سمعوا البعث وقالوا «5» من يستطيع أن يحيينا بعد الموت؟ نزل قوله «6» (هو الذي خلق لكم) أي قدر لأجلكم وانتفاعكم دينا ودنيا (ما في الأرض) أي الذي فيها من الأشياء (جميعا) نصب على الحال من الموصول الثاني، وهذا حجة لمن استدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلى أن يمنع الشارع ما يمنع منها، وقيل: اللام للتعريف لا للتخصيص «7»، فالمعنى: أن الله تعالى خلق لكم الأرض وما فيها لتعملوا لمعاشكم ومعادكم، وتستدلوا بها على صانعكم وتوحيده.
(ثم استوى) أي قصد بمشيته بعد خلق الأرض من غير قصد خلق شيء آخر، وقيل: صعد أمره، وهو قوله «كن» «8» فكان «9» (إلى السماء) أي خلقها، وهي جمع سموات جمع سمأة «10» تكسيرا، ولذا جعل الضمير العائد إليها في (فسواهن) جمعا ليحصل المطابقة بينهما لفظا، أي خلقهن مستويات من غير خلل فيهن أو السماء مفرد، والضمير فيه مبهم فسر بقوله (سبع سماوات) نصب تمييز، نحو ربه رجلا، وقيل: معناه صيرهن «11»، ف «سبع» مفعول ثان ل «سوى»، و «ثم» فيه لتفخيم شأن منزلة السماء، وتفصيله على شأن الأرض لا للتراخي في الوقت، ولا يناقضه قوله تعالى «والأرض بعد ذلك دحاها» «12»، لأن الدحو البسط، وهو متأخر عن خلق جرم الأرض الذي تقدم «13» على خلق السماء، روي: «خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، عليها دخان ملتزق بها، ثم أصعد الدخان، وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها ثم بسط منها الأرض» «14»، وقيل: إن «15» الأرض كانت حشفة تحت الكعبة «16»، أي أكمة، فلما خلق السماء بسط الأرض بعد خلقها (وهو بكل شيء عليم) [29] أي محيط بكل خلق مجملا ومفصلا، وال «عليم» هو الذي كمل علمه، ويجيء بمعنى المعلم.
[سورة البقرة (2): آية 30]
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)
পৃষ্ঠা ৩৯