الاسم بعده مبتدأ، ويلزم خبره الفاء كقولك أما زيد فذاهب، تريد أنه بصدد الذهاب لا محالة بخلاف زيد ذاهب، ومعناه: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، نص عليه سيبويه في كتابه «1»، أي أما (الذين آمنوا) بالقرآن ومحمد عليه السلام (فيعلمون أنه) أي المثل بالبعوضة والذباب (الحق) أي الثابت الذي لا يسوغ إنكاره (من ربهم) أي كائنا منه تعالى، فيؤمنون به، وفي ذكر «أما» في هذه الجملة إخماد عظيم لهم واعتداد بعلمهم أنه الحق، وفي ذكرها في (وأما الذين كفروا) بهما، وهم اليهود والمشركون (فيقولون ما ذا) تعريض لعنادهم الحق، ورمي لهم بالكلمة الحمقاء، أي ما الذي، ف «ذا» اسم موصول، و«ما» اسم استفهام مرفوع المحل مبتدأ، خبره «ذا» مع صلته أو «ذا» مع «ما» مركبة جعلتا اسما واحدا منصوب المحل في حكم «ما» وحده، أي أي شيء (أراد الله بهذا) أي بالمثل الخسيس (مثلا) نصب على التمييز أو على الحال، أي ممثلا كقوله تعالى «هذه ناقة الله لكم آية» «2»، والإرادة: القصد والطلب من غير كراهة، وهي معنى يوجب للحي حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فأجابهم الله تعالى بقوله (يضل) أي يخذل (به) أي بالمثل (كثيرا) من الكفار بتكذيبهم به، يعني لا يوفقهم الهدي فيزدادون ضلالا (ويهدي) أي يوفق (به) أي بالمثل (كثيرا) من المؤمنين لتصديقهم به، فيزدادون هداية ووصفهم بالكثرة مع وصفهم بالقلة في قوله «وقليل من عبادي الشكور» «3»، لأن المهتدين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة لكونهم «4» على الحق وكون أولئك على الباطل (وما يضل به) أي لا «5» يخذل بالمثل وتكذيبه (إلا الفاسقين) [26] أي الكافرين بالله الخارجين عن أمره، وقد جاء استعمال اسم الفاسق على الكافر والمسلم بارتكاب الكبيرة.
[سورة البقرة (2): آية 27]
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)
(الذين ينقضون) أي ينكثون (عهد الله) أي الذين «6» عهد إليهم يوم الميثاق بقوله «أ لست بربكم» «7» إن يؤمنوا بمحمد وما جاء به، والعهد الأمر والوصية، يعني الذي أخذه من بني آدم من ظهورهم ثم نقضوه (من بعد ميثاقه) أي تأكيده وتغليظه (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) وهو قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين (ويفسدون في الأرض) بعمل المعاصي والصد عن سبيل الله (أولئك هم الخاسرون) [27] أي المغبونون بالعقوبة في الآخرة مكان المثوبة في الجنة، قيل: «ليس من مؤمن ولا من كافر إلا وله منزل وأهل وخدم في الجنة، فان أطاعه تعالى أتى أهله وخدمه ومنزله في الجنة، وإن عصاه ورثه الله المؤمنين فقد غبن عن أهله وخدمه ومنزله» «8».
[سورة البقرة (2): آية 28]
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)
ثم استفهم بالخطاب تعجيبا من كفرهم وتوبيخا لهم بعد قيام البرهان على وجوب الإيمان، وهو تنقلهم من العدم إلى الوجود ثم إلى الموت ثم إلى الحيوة يوم القيامة ثم إلى النار، أي إلى الجنة فقال (كيف تكفرون) أي تجحدون (بالله) أي بوحدانيته، ومعكم ما يصرفكم عن الكفر إلى الإيمان، ومحل «كيف» نصب على الحال، أي أمعاندين تكفرون، و«9» قيل: «كيف» ههنا يفيد إنكار حال الكفر، ولا يلزم من ذلك إنكار ذات الكفر، أجيب بأن حال الكفر لازم لذات «10» الكفر في الوجود، فاذا نفي اللازم ينتفي الملزوم، وهذا أبلغ وأقوى،
পৃষ্ঠা ৩৮