على قوله «فاتقوا»، وقيل على «قل» المقدر قبل «يا أيها الناس»، أي فرح يا محمد بخبر البشارة، ويجوز أن يكون المخاطب كل أحد لا واحد بعينه (الذين آمنوا) أي قلوبهم (وعملوا) الأعمال (الصالحات) التي صدرت عنهم لله تعالى على حسب الحال من مواجب التكليف (أن لهم جنات) أي بساتين كثيرة (تجري من تحتها) أي من تحت أشجارها وغرفها (الأنهار) أي المياه التي فيها المعلومة عند المخاطب، ويجوز أن يكون عوضا عن المضاف إليه، أي أنهارها، روي: «أن أنهار الجنة تجري من غير أخدود» «1»، وهو الشق من الأرض بالاستطالة، قيل: أنزه الجنات منظرا ما كانت أشجارها مظللة وأنهارها في خلالها مطردة «2».
(كلما رزقوا) أي متى ما أطعموا (منها) أي من الجنة، «من» فيه لابتداء الغاية (من ثمرة) أي ثمرة بزيادة «من» أو هي للبيان أو للابتداء المقيد بعد المطلق (رزقا) أي طعاما (قالوا هذا الذي رزقنا) أي أطعمناه (من قبل) أي قبل هذه الثمرة، لأن لون الثمار في الجنة مشتبه وطعمه مختلف، فاذا أطعموا ثمرة أول النهار فأكلوا منها، ثم أطعموا ثمرة أخرى في آخر النهار ظنوها الأولى (وأتوا به) أي جيؤا بذلك الرزق (متشابها) في اللون والجودة، فاذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك أجود وألذ، يعني لا يكون فيها ردي، وهذه الجملة معترضة للتقرير، روي: «أنه ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء» «3» (ولهم فيها) أي في الجنة (أزواج) أي نساء وحور (مطهرة) أي مهذبة من كل قذر وعيب، وقيل: من حيض وبول وخلط ونحو ذلك في أبدانهم ومن حسد وحقد ونظر إلى الغير في قلوبه «4»، وفي لفظ «مطهرة» فخامة دون طاهرة، ولم يجمع للاختصار (وهم فيها خالدون) [25] أي دائمون أحياء، لا يموتون ولا يخرجون منها، روي: أن أهل الجنة جرد مرد محكلون لا يفني شبابهم ولا يبلي ثيابهم «5».
[سورة البقرة (2): آية 26]
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين (26)
ثم بين شبهة من شبههم في حق القرآن وجوابها بقوله (إن الله لا يستحيي) أي لا يمتنع بالحياء كاستحياء البشر من (أن يضرب) أي يذكر للحق (مثلا ما) أي شبها حقا، ف «ما» «6» زائدة للتأكيد «7» و(بعوضة) مفعول ثان ل «يضرب»، لأنه في معنى يجعل، وهو البق الصغير، والأول «مثلا»، قيل: نزل حين قالت اليهود ما أراد الله بذكر الأشياء الخسيسة في القرآن كالذباب والعنكبوت والبعوضة «8»، فان ضرب المثل بنحوها مما يستحيي منه ردا عليهم على سبيل المقابلة في قوله «أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات» «9»، يعني أنه لا يستحيي أن يصف للحق وبيانه شبها ما بذكر البعوضة (فما فوقها) أي فبذكر الذي هو أزيد منها كالذباب والعنكبوت أو فما دونها في الصغر، قيل: إنه من الأضداد «10»، وهو دابة يسترها السكون ويظهرها التحرك، يعني لا تلوح «11» للبصر الحاد إلا بتحركها، قيل: سر ذكر المثل بالبعوضة تعريض للإنسان، لأنها إذا جاعت عاشت فاذا شبعت ماتت، وكذلك الإنسان إذا استغنى فانه يطغي «12».
قوله (فأما) الفاء فيه لإظهار التفاوت بين حالتي المؤمنين والكافرين في ضرب المثل، و«أما» حرف، فيه معنى الشرط، وضع لإعطاء فضل توكيد النسبة وتفصيلها بعد ذكر المجمل أو على استئناف الكلام، ويقع
পৃষ্ঠা ৩৭