ولو شرحنا ما وقفنا عليه في هذه الأنواع في حقنا، وعلمنا حقا متيقنا، لطال شرح ذلك، فهذه الأمور التي نبهنا عليها وأشرنا إليه، وغيرها مما تركنا ذكره، تدل دلالة واضحة على أن الإمامة لها سر عظيم، وشأن خطير، وأنها عند الله تعالى بمكان مكين، ومحل رفيع، وأنها ليست بمنزلة المسائل الاجتهادية الظنية، التي كل مجتهد فيها مصيب، والمقدم فيها والمحجم آخذ من الإصابة بنصيب.
ووجه آخر وهو: أن المتأمل لأمورها، وحال المترشح لها، الناهض بأعبائها، مطلع على أنه يحصل بالإمام من المصالح الدينية، والمطالب المرضية، وحراسة الدين الحنيف، والعلم العظيم الشريف، ونفع المسلمين، وقمع الظالمين، وجنود الدين، وإيغار صدور المعتدين، ما لا يكاد تخطر سعته وكثرته ببال، ومن تأمل حال الأمة ومساعيهم، وما تشتمل عليه الأوقات والساعات، من أعمالهم وأقوالهم، وخطابهم وكتابهم، وجد من ذلك ما يشفي الصدور، ويدل على الحظ الموفور، وإن ذلك لو لم يكن لكان سببا في الاختلال، وتناقض الأحوال، والمصالح التي يشتغل بها الإمام، ويعتني بها الاعتناء التام، ويقطع فيها الليالي والأيام، والشهور والأعوام، لو أخذنا في ذكرها ونشرها وتفصيلها وتحصيلها استوعبت كثيرا من الأوراق، ولطال فيها المشاق، وخرجنا عما نحن بصدده من الإيجاز، والتحفظ عن إرخاء القلم والإحتراز، ولا ينبئك مثل خبير.
وبالجملة فأئمة الهدى حقا مما قيل (خلفاء الله في أرضه، وأمناه على خلقه، وحراس دينه، وحفظة شريعته، وملجأ بريته).
পৃষ্ঠা ১৯