وذكر فيها أن هذا بشر له حال مزيد على حال أهل الرئاسة، والمملكة والسلطنة، وبعث الدواعي إلى الإتصال به، والإقتراب والتمسك منه، بسبب من الأسباب، فكم إمام راجح، زح الحال قليل المال، ذي لباس خشن، وطعام غليظ، ومنزل غير واسع، وقلة من الحفل والأعوان، ومكابدة المشاق والرقاق، وفي زمنه وبالقرب منه سلطان أو سلاطين، كل منهم ذو أبهة رائعة، ومملكة واسعة، وأموال زكية، وقصور عالية، وجنود وافية،ولباس ورواء يروق الناظرين، وأطعمه شهية لذيذة للوافدين، وقناطير مقنطرة، من الذهب والفضة، وغير ذلك من زهرة الحياة الدنيا ومحاسنها الغض، التي صارت القلوب إليها مقبلة، وبها مولعة، ولمثلها متمنية، ثم ترى الناس إلى ذلك الإمام الذي ذكرنا صفته وحاله أميل، وله أحب، ولأمره أشد تعظيما، وأبلغ تجليلا وتكريما، ويجد له من الموقع ما لا يكاد الوصف يحيط به دون من ذكر ممن هو ذو سلطنة، وحاله في الدنيا مستحسنة، ونجد كثيرا من الناس له علق بالإمام، وشغف به وغرام، وداره عنه نائية، فلا يعرفه، ولا يدري ما صفته، ولا ينال شيئا من معروفه، ولا يسمع شيئا من كلامه، ولا يطلع له على سبب مما يقتضى المحبة ويغرسها، سواء كونه إماما وكون انتصابه للإمامة نما إلى سمعه ومثل هذا لا يتفق لأحد من الملوك، ولو أنه حيزت له الدنيا بحذافيرها، وانتشرت مملكته في جميع أقطارها، وترى أعادي الإمام، وإن اشتدت عداوتهم له، ونكايتهم إياه، أو نكايته لهم، لا يخلون عن استعظام قدره، ولا يجحدون ما عظمه الله تعالى من أمره، ولا يخلون عن شجن ومخافة من عداوته، وترقب لسوء مغبتها، وترى منهم من يواصله سرا وظاهرا، ويرغب أن يكون له عبد، وتجد من ينتصب لعداوة الإمام ومعاندته، لا يخلو عن أهل أو ولد، أو ذي علقة بهم، يخالف ما هو عليه، وله محبة في جانب الإمام، وتعظيم له ومواصلة باطنه، واتصال إليه بسبب، ولم يحمله على ذلك كراهة من هو في جانبه، وترى أعوان الظلمة وأعيان جندهم، ووجوه أركان دولتهم، لا يقطعون أيديهم عن الإمام، ولا يخلون عن مواصلة كماله.
وأعجب من هذا ما يتفق من بعض الملوك أهل النخوة والتكبر والترفع من الخضوع للإمام، وإعظامه غاية الإعظام، والتذلل له ولرسله إليهم، ولمن له به أدنى علقة سبابه يستحيل منهم، أن يفعلوه لأعظم ملوك زمانهم، ويجد في قلوب الأخيار، والعلماء الأحبار، والزهاد الأبرار، من المحبة للإمام، والولع والإشتغال بأمره أمرا عظيما، لم يقدهم إليه هوى ولا غرض، ولا داع من دواعي الدنيا، ولا غرض مع تنوير قلوبهم وتصفيتها عن أدران الذنوب، وترى كثيرا من أهل المذاهب المخالفين لأهل هذا المذهب الشريف، المتحاملين عليه والمزورين عنه، ينسون أو يتناسون ذلك في حق الإمام غالبا، وأعيانهم وعلمائهم يعظمون الإمام غاية التعظيم، ويكرمونه غاية التكريم.
পৃষ্ঠা ১৮