[الاعتبار]
قال الوافد: كيف يكون الإعتبار ؟
قال العالم: انظر إلى الذين جمعوا كثيرا، وبنوا كثيرا، وأملوا طويلا، وعاشوا قليلا، هل تسمع لهم حسا ؟! أو ترى لهم في القبور أنسا، سكنوا في التراب، واغتربوا عن الأصحاب، ولم يسلموا من العقاب، حملوا ثقيلا، وعاينوا وبيلا، وصارت النار لهم منزلا ومقيلا، وعرضت عليهم جهنم بكرة وأصيلا، لا يطيقون قبيلا، ولا يسمعون جميلا، ولا يرجون تحويلا، ولا يملون عويلا.
أين الذين شيدوا العمران ؟ ! وشرفوا البنيان ؟! وعانقوا النسوان، ؟! وفرحوا بالولدان ؟! وجمعوا الديوان ؟! وتملكوا البلدان ؟! وغلقوا الأبواب ؟! وأقاموا الحجاب ؟!
أما رأيت كيف دارت عليهم الدوائر ؟! وخلت منهم المكاثر ؟! وتعطلت منهم المنابر ؟! وضمتهم المقابر ؟! وغيبتهم الحفائر ؟! وتمزقت جلودهم ؟! وتفرقت جنودهم ؟!ورجعت قصورهم خرابا ؟! ودورهم يبابا ؟! وأجسادهم ترابا ؟! أين ملوكهم ؟! أين ديارهم ؟! أين أحبارهم، أين مواكبهم ؟! أين مراكبهم، أين خيلهم، أين مواليهم، أين أنصارهم، أين عددهم، أين وزراؤهم، أين ندماؤهم، أين أمرآوهم، أصبح غنيهم فقيرا، وأميرهم حقيرا !!!
هل بقي الذكر إلا لمن أطاع مولاه، ورفض في رضاء الله دنياه، وخالف من خوف الله هواه ؟ وقدم الخير لعقباه، فدخل دار السرور، وكفاه الله كل محذور، دار فيها الأمان، والحور الحسان، والأكاليل والتيجان، والوصائف والغلمان، والأنهار الجارية، والأشجار الدانية، والنعمة الوافية، والسرر المصفوفة، والموائد المعروفة، والفرش المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والخيام المضروبة، والقصور المنصوبة، تلك دار اليقين، ومحل الصالحين، ومأوى المؤمنين.
পৃষ্ঠা ২৯১