وقال بعضهم في قوله تعالى: {إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}. هو: القرآن. فإن كل الأمة لم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف لا يحتاج المسلمون إلى معرفة القرآن الذي شرفهم الله به وجعله بشيرا، ونذيرا، ومناديا لهم، وداعيا إلى الهدى، وحجة، ونورا، وبرهانا وشفاء، ورحمة، ومعجزا لنبيهم عليه السلام، ومعرفا للأحكام: من الحلال والحرام، والصلاة والزكاة، والحج، والصيام، وسائر الأحكام، والذي جعل الله الأجر في تلاوته واستماعه، وكتابته، وحفظه، وأمرنا بتعظيمه، وتوقيره، ورفعه، ونهانا عن مسه محدثين، وعن السفر به إلى بلاد أرض العدو، وعن قراءته في حال الجنابة، وجعله شرطا للصلاة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه، والإنذار به، فهذا مما لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهمل بيانه، ولا يكتمه عن أمته، سيما وقد أمره الله بالتبليغ، وفرضه عليه، وتوعده على تركه، فقال: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}. وقال: {فاصدع بما تؤمر}. وقال مخبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}.
أي: ومن بلغه القرآن، ومع شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وحرصه عليهم، وعزة عنتهم عليه، فهل يجوز أن يتوهم المتوهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم عن أمته بيان القرآن، وعصى أمر ربه، ولم يبلغ رسالته، وغش أمته، وتركهم يعتقدون الباطل، ويضلون عن الحق، ويضيعون عن الصواب، مع علمه بضلالهم، وإمكانه من هدايتهم بكلمة واحدة، فلا يقول في ذلك: حرفا ولا شيئا مما لا يسوغ لمسلم أن يعتقده، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم في خطبته في حجة الوداع: ((ألا هل بلغت ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. فرفع إصبعه إلى السماء وقال: اللهم فاشهد)).
ويقتضي قول هذه الطائفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بلغ، وأنه كاذب في دعواه التبليغ، وأصحابه كاذبون في شهادتهم له، وأن كل مسلم شهد للنبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة، والنصح لأمته، فهو كاذب في شهادته.
فليت شعري أيزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك بيان هذا الأمر قصدا لإضلال أمته وإغوائهم، أو غفلة منه، وأن أستاذهم قصد لما غفل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه والسادة من صحابته وتابعيهم، والأئمة من بعدهم، فبين الصواب، وأتم تبليغ الرسالة، وقصد لما لا يعلمه الله تعالى وخفي عن رسوله، وأمته. إن من رضي لنفسه هذا، لأهمل أن لا يكلم أصلا.
পৃষ্ঠা ১৩৫