الوجه الثاني: من الثاني: لو قدرنا أنه ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم السكوت عن بيان القرآن ، فكيف ساغ له إيهام أمته؟ أن القرآن غير ما هو قرآن، بما تلاه من الآيات التي ذكرناها، والأخبار التي رويناها ليضل أمته بذلك عن الصواب، ويعتقدوا غير الحق، ويصيروا حشوية مجسمين كما يعتقد فينا خصومنا ولو كان ذاك، لكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المضل لأمته، والمغوي لهم، والداعي لهم إلى صراط الجحيم، والمانع لهم من الصراط المستقيم.
واعتقاد هذا كفر بالله العظيم، وخروج عن دائرة المسلمين.
فهذه دلالة قاطعة في أن القرآن هو ما يعتقده المسلمون قرآنا لا غير.
وأما الإجماع: فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يعتقدون أن القرآن سوى هذا الذي نعتقده قرآنا.
دلت على ذلك: أقوالهم، وأحوالهم، فإنهم: سموا حروفه وآياته وكلماته وأحزابه، وذكروا قرآنه، واستماعه على نحو ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: ((إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه)).
وسئل علي عن الجنب، هل يقرأ القرآن؟ قال: ((ولا حرفا)) وروي عنه أنه قال: ((من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به كله)).
وقال علي رضي الله عنه: ((تعلموا البقرة، فإن بكل حرف منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها)). ولا أقول: ((ألم حسنة، ولكن ألف حسنة، ولام حسنة، وميم حسنة)).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((ما من مؤمن يقرأ حرفا من القرآن، ولو شئت لقلت اسما تاما، ولكن حرفا، إلا كتب الله تعالى له بكل حرف عشر حسنات، أما إن الحرف ليس بالآية، والكلمة، ولكن الم ثلاثون حسنة)). وفي رواية قال: ((أما إني لست ممن يزعم أن بكل آية عشر حسنات، ولكن أزعم أن بكل حرف من حروف المعجم عشر حسنات)).
পৃষ্ঠা ১৩৬