فصل
فإن قال القائل: لا يصح قولكم: إن القرآن حروف لوجوه:
أحدها: أن الحروف لا تخرج إلا من مخارج وأدوات، ولا يجوز إضافة ذلك إلى الله تعالى لأنه تجسيم، والله سبحانه يتعالى عن ذلك.
والثاني: أن الحروف تتعدد، والقديم لا يتعدد.
والثالث: أنها تتعاقب فتسبق الباء السين، والسين الميم، وكل مسبوق مخلوق.
والرابع: أن كلام الله شيء واحد، ليس له أول ولا آخر، ولا بعض، والحروف مختلفة متغايرة، لها أجزاء وأبعاض.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أنه ثبت أن القرآن هو هذا الكتاب الذي هو حروف. أدلة قاطعة يقينية، فكل ما خالف يعلم كونه باطلا، فإن ما خالف اليقين فبطلانه يقين، وما بعد الحق إلا الضلال.
الثاني: أن هذا الذي ذكروه من فن الكلام، وهو مجمع على ذمه وإنكاره، وأنه ليس بحجة ولا دليل. والدليل على الإجماع قول العلماء: قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء.
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد البصري المالكي: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل البدع والأهواء: أشعري كان أو غير أشعري، ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام، ويهجرون ويؤدبون على بدعتهم.
وقال الشافعي رحمة الله عليه لئن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه، ماعدا الشرك، خير من أن ينظر في الكلام.
وقال: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منها كما يفر من الأسد. وقال: من أبدر في الكلام لم يفلح.
পৃষ্ঠা ১৪২