ثم أي شيء يفيده ستر واحد إلى كون: الم حروفا مع تسليمه ما بعدها إلى آخر السورة حروف، فإن ذلك ثلاثة أحرف، والكتاب خمسة أحرف، وكذلك ما بعدها، فلو صح ما قالوا لم يفده قليلا ولا كثيرا على أن القوم ما نزاعهم في هذا القرآن حروف، وهذا شيء لا يمكن جحده، وإنما جحدوه بالكلية، فقالوا ما هذا قرآنا أصلا. فإن سلم المتحذلق أن هذا قرآن، ولكن قال: لا أسميه حروفا كان موافقا في المعنى، مخالفا في التسمية، فلا فائدة في النزاع فيه.
وقال بعضهم: هذا الكتاب قرآن لكنه مخلوق، والقرآن القديم في نفس الباري، فوافق المعتزلة في أن القرآن مخلوق. وادعى دعوى فرق بها الإجماع، وخالف بها المسلمين، فإننا لم نسمع أن أحدا من الأمة قال هذه المقالة قبل هذا القائل وليس له عليها دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صحابي، ولا إمام مرضي، والعقل لا يقتضي وجود قرآن، ولا تسمية، إنما يعلم ذلك بالنقل الصحيح القاطع. وليس مع هذا المدعي سوى مجرد الدعوى لا يثبت بها شيء، ثم إنه لو قدر أنه ذكر دليلا لكان مخالفا للإجماع، فإن الأمة مجمعة على أنه ليس لنا إلا قرآن واحد. فمنهم من قال: هو كلام الله القديم، ومنهم من قال: هو مخلوق. فما خالف الإجماع فهو باطل. ثم كيف يتصور لهذا الأحمق أن النبي صلى الله عليه وسلم غفل عن ذكر هذا لأمته مع حاجتهم إلى بيانه، وعصى ربه في ترك تبليغ رسالته وغش أمته بكتمان ذلك عنهم، وغفل عنه خلفاؤه ومن بعدهم حتى جاء فتنة لهذا واستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم غفلته وكشف عز الأمة فيهم وهداهم عن الضلالة التي أضلهم رسولهم أن هذا المصحف عظيم.
وعلى كل حال فقد سلم أن القرآن الذي بينته أنه قرآن بالكتاب والسنة والإجماع وهو سور وآيات وكلمات وحروف: وهذا هو الذي ادعيناه، وقد ثبت لنا ذلك، فلا يضرنا دعواه غير ذلك، فليدع ما شاء .
পৃষ্ঠা ১৪১