وصار يحمل في محفة (١)، وأقام في داره يغشاه الأكابر والعلماء وأنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل تسمى (قصر حرب)، ووقف أملاكه عليه وداره التي كان يسكنها بالموصل (٢)، ولزم منزله راضيا بما قضي له، قانعا بما قدّر له من الرزق، يغشاه الناس لفضله والرواية عنه (٣).
علاجه:
قال ابن خلكان: (حكى أخوه عز الدين أبو الحسن علي: أنه لما أقعد جاءهم رجل مغربيّ والتزم أنه يداويه ويبرئه مما هو فيه، وأنه لا يأخذ أجرا إلا بعد برئه، فملنا إلى قوله، وأخذ في معالجته بدهن صنعه، فظهرت ثمرة صنعته، ولانت رجلاه، وصار يتمكن من مدّهما، وأشرف على كمال البرء فقال لي: أعط هذا المغربيّ شيئا يرضيه واصرفه، فقلت له: لماذا؟ وقد ظهر نجح معالجته (٤)، فقال: الأمر كما تقول، ولكني في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بأخطارهم، وقد سكنت روحى إلى الانقطاع والدّعة، وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذل نفسي بالسعي إليهم، وها أنا [ذا] اليوم قاعد في منزلي، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاءونى بأنفسهم لأخذ رأيي، وبين هذا وذاك كثير، ولم يكن سبب هذا إلا هذا المرض، فما أرى زواله ولا معالجته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعيش باقيه حرا سليما من الذل، وقد أخذت منه بأوفر الحظ.
قال عز الدين: فقبلت قوله، وصرفت الرجل بإحسان) (٥).
_________
(١) شذرات الذهب (٥/ ٢٢).
(٢) وفيات الأعيان (٤/ ١٤٢).
(٣) إنباه الرواة (٣/ ٢٥٩).
(٤) في وفيات الأعيان (معافاته)، والتصحيح من: مرآة الجنان (٤/ ١٣).
(٥) وفيات الأعيان (٤/ ١٤٢ - ١٤٣)، وانظر: إنباه الرواة (٣/ ٢٥٩)، ومرآة الجنان (٤/ ١٣).
مقدمة / 59